البيت) أي: قصده بالأفعال المشروعة (أو اعتمر) أي: أتى بالعمرة بالمناسك المشروعة. وقوله: (فلا جناح عليه) اي: لا حرج عليه (أن يطوف بهما).
قال الصادق عليه السلام: كان المسلمون يرون أن الصفا والمروة مما ابتدع أهل الجاهلية، فأنزل الله هذه الآية. وإنما قال (فلا جناح عليه أن يطوف بهما) وهو واجب أو طاعة على الخلاف فيه، لأنه كان على الصفا صنم يقال له أساف وعلى المروة صنم يقال له نائلة، وكان المشركون إذا طافوا بهما مسحوهما، فتحرج المسلمون عن الطواف بهما، لأجل الصنمين، فأنزل الله تعالى هذه الآية، عن الشعبي وكثير من العلماء. فرجع رفع الجناح عن الطواف بهما إلى تحرجهم عن الطواف بهما لأجل الصنمين، لا إلى عين الطواف، كما لو كان الانسان محبوسا في موضع لا يمكنه الصلاة إلا بالتوجه إلى ما يكره التوجه إليه من المخرج وغيره، فيقال له: لا جناح عليك في الصلاة إلى ذلك المكان، فلا يرجع رفع الجناح إلى عين الصلاة، لأن عين الصلاة واجبة، إنما يرجع إلى التوجه إلى ذلك المكان.
ورويت رواية أخرى عن أبي عبد الله عليه السلام، أنه كان ذلك في عمرة القضاء، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شرط عليهم أن يرفعوا الأصنام، فتشاغل رجل من أصحابه حتى أعيدت الأصنام، فجاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقيل له: إن فلانا لم يطف، وقد أعيدت الأصنام. فنزلت هذه الآية (فلا جناح عليه أن يطوف بهما) أي:
والأصنام عليهما. قال: فكان الناس يسعون والأصنام على حالها. فلما حج النبي صلى الله عليه وآله وسلم رمى بها.
وقوله (من تطوع خيرا) فيه أقوال أولها: إن معناه من تبرع بالطواف والسعي بين الصفا والمروة، بعد ما أدى الواجب من ذلك، عن ابن عباس وغيره وثانيها: إن معناه من تطوع بالحج والعمرة بعد أداء الحج والعمرة المفروضين، عن الأصم.
وثالثها: إن معناه من تطوع بالخيرات وأنواع الطاعات، عن الحسن. ومن قال: إن السعي ليس بواجب قال معناه: من تبرع بالسعي بين الصفا والمروة.
وقوله: (فإن الله شكر عليم) أي: مجازيه على ذلك، وإنما ذكر لفظ الشاكر تلطفا بعباده، ومظاهرة في الإحسان والإنعام إليهم، كما قال: (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا) والله سبحانه لا يستقرض عن عوز، ولكنه ذكر هذا اللفظ على طريق التلطف أي: يعامل عباده معاملة المستقرض من حيث إن العبد ينفق في حال غناه، فيأخذ