وسياستها، والقيام بأمورها، وتأديب جناتها، وتولية ولاتها، وإقامة الحدود على مستحقيها، ومحاربة من يكيدها ويعاديها.
فعلى الوجه الأول لا يكون نبي من الأنبياء إلا وهو إمام. وعلى الوجه الثاني لا يجب في كل نبي أن يكون إماما، إذ يجوز أن لا يكون مأمورا بتأديب الجناة، ومحاربة العداة، والدفاع عن حوزة الدين، ومجاهدة الكافرين.
فلما ابتلى الله سبحانه إبراهيم بالكلمات فأتمهن، جعله إماما للأنام، جزاء له على ذلك، والدليل عليه أن قوله (جاعلك) عمل في قوله (إماما)، واسم الفاعل إذا كان بمعنى الماضي، لا يعمل عمل الفعل، ولو قلت أنا ضارب زيدا أمس لم يجز. فوجب أن يكون المراد أنه جعله إماما، إما في الحال، أو في الاستقبال، والنبوة كانت حاصلة له قبل ذلك.
وقوله: (قال ومن ذريتي) أي: واجعل من ذريتي من يوشح بالإمامة، ويوشح بهذه الكرامة. وقيل: إنما قال ذلك على جهة التعرف، ليعلم هل يكون في عقبه أئمة يقتدى بهم. والأولى أن يكون ذلك على وجه السؤال من الله تعالى أن يجعلهم كذلك. وقوله: (قال لا ينال عهدي الظالمين) قال مجاهد: العهد الإمامة، وهو المروي عن أبي جعفر، وأبي عبد الله عليهما السلام، أي: لا يكون الظالم إماما للناس.
فهذا يدل على أنه يجوز أن يعطي ذلك بعض ولده إذا لم يكن ظالما، لأنه لو لم يرد أن يجعل أحدا منهم إماما للناس، لوجب أن يقول في الجواب لا، أو لا ينال عهدي ذريتك.
وقال الحسن: معناه إن الظالمين ليس لهم عند الله عهد يعطيهم به خيرا، وإن كانوا قد يعاهدون في الدنيا، فيوفى لهم. وقد كان يجوز في العربية أن يقال: لا ينال عهدي الظالمون، لأن ما نالك فقد نلته. وقد روي ذلك في قراءة ابن مسعود.
واستدل أصحابنا بهذه الآية على أن الإمام لا يكون إلا معصوما عن القبائح، لأن الله سبحانه نفى أن ينال عهده الذي هو الإمامة ظالم، ومن ليس بمعصوم فقد يكون ظالما إما لنفسه، وإما لغيره.
فإن قيل: إنما نفى أن يناله ظالم في حال ظلمه، فإذا تاب لا يسمى ظالما، فيصح أن يناله؟ فالجواب: إن الظالم، وإن تاب، فلا يخرج من أن تكون الآية قد تناولته في حال كونه ظالما، فإذا نفى أن يناله، فقد حكم عليه بأنه لا ينالها. والآية