ومنه الحديث: من غرس شجرة مثمرة فما أكلت العافية منها إلا كتب له صدقة. والعافية: دفاع الله عن العبد. والعفاء: التراب. قال زهير: (على آثار من ذهب العفاء). والشكر: الاعتراف بالنعمة مع ضرب من التعظيم. قال الرماني: الشكر هو الإظهار للنعمة.
المعنى: (ثم عفونا عنكم) أي: وضعنا عنكم العقاب الذي استحققتموه بقبول توبتكم من عبادة العجل (من بعد ذلك) أي: من بعد اتخاذكم إياه إلها. وقيل: معناه تركنا معاجلتكم بالعقاب من بعد اتخاذكم العجل إلها (لعلكم تشكرون) لكي تشكروا الله على عفوه عنكم، وسائر نعمه عليكم. وقيل: معناه التعريض أي: عرفناكم للشكر. وفي هذه الآية دلالة على وجوب شكر النعمة، وعلى أن العفو عن الذنب بعد التوبة، نعمة من الله على عباده ليشكروه. ومعنى قولنا في الله: إنه غفور شكور، إنه يجازي العبد على طاعاته من غير أن ينقصه شيئا من حقه، فجعل المجازاة على الطاعة شكرا في مجاز اللغة، ولا يستحق الانسان الشكر على نفسه، لأنه لا يكون منعما على نفسه. فالنعمة تقتضي منعما غير المنعم عليه، كما أن القرض يقتضي مستقرضا غير المقرض. وقد يصح أن يحسن الانسان إلى نفسه، كما يصح أن يسئ إليها، لأن الإحسان من الحسن. فإذا فعل بها فعلا حسنا ينتفع به، كان محسنا إليها بذلك الفعل، وإذا فعل بها فعلا قبيحا تستضر به، كان مسيئا إليها.
ولا يستحق الكافر الشكر على الوجه الذي يستحقه المؤمن، لأن المؤمن من يستحق الشكر على وجه الاجلال والاعظام، والكافر لا يستحقه كذلك، وإنما يجب له مكافأة نعمته كما يجب قضاء دينه على وجه الخروج منه إليه، من غير تعظيم له.
والفرق بين الشكر والمكافأة: إن المكافأة من التكافي، وهو التساوي، وليس كذلك الشكر. ففي المكافأة للنعمة دلالة على أنه قد استوفى حقها، وقد يكون الشكر مقصرا عنها، وإن كان ليس على المنعم عليه أكثر منه، إلا أنه كلما ازداد من الشكر حسن الازدياد، وإن لم يكن واجبا، لأن الواجب لا يكون إلا متناهيا، وذلك كالشكر لنعمة الله تعالى لو استكثر به غاية الاستكثار لم يكن لينتهي إلى حد لا يجوز له الازدياد، لعظم نعمة الله سبحانه، وصغر شكر العبد.