فرعون فقالوا: يا موسى أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا، هذا البحر أمامنا، وهذا فرعون قد رهقنا بمن معه! فقال موسى عليه السلام: عسى ربكم أن يهلك عدوكم، ويستخلفكم في الأرض، فينظر كيف تعملون. فقال له يوشع بن نون: بم أمرت؟ قال: أمرت أن أضرب بعصاي البحر. قال: اضرب. وكان الله تعالى أوحى إلى البحر أن أطع موسى إذا ضربك. قال: فبات البحر له أفكل أي:
رعدة لا يدري في أي جوانبه يضربه، فضرب بعصاه البحر، فانفلق وظهر اثنا عشر طريقا. فكان لكل سبط منهم طريق، يأخذون فيه.
فقالوا: إنا لا نسلك طريقا نديا. فأرسل الله ريح الصبا، حتى جففت الطريق، كما قال: (فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا) فجروا فيه. فلما أخذوا في الطريق، قال بعضهم لبعض: ما لنا لا نرى أصحابنا؟ فقالوا لموسى: أين أصحابنا؟ فقال: في طريق مثل طريقكم. فقالوا: لا نرضى حتى نراهم.
فقال (1) عليه السلام: اللهم أعني على أخلاقهم السيئة. فأوحى الله تعالى إليه أن مل بعصاك هكذا وهكذا، يمينا وشمالا. فأشار بعصاه يمينا وشمالا، فظهر كالكوى (2) ينطر منها بعضهم إلى بعض.
فلما انتهى فرعون إلى ساحل البحر، وكان على فرس حصان أدهم، فهاب دخول الماء، تمثل له جبريل على فرس أنثى وديق (3)، وتقحم البحر. فلما رآها الحصان تقحم خلفها، ثم تقحم قوم فرعون. فلما خرج آخر من كان مع موسى من البحر، ودخل آخر من كان مع فرعون البحر، أطبق الله عليهم الماء، فغرقوا جميعا، ونجا موسى ومن معه.
ومما يسأل عن هذا أن يقال: كيف لم يعط الله تعالى كل نبي مثل ما أعطى موسى من الآيات الباهرات، لتكون الحجة أظهر، والشبهة أبعد؟ والجواب: إن الله ينصب الأعلام الباهرة، والمعجزات القاهرة، لاستصلاح الخلق على حسب ما يرى لهم من الصلاح. وقد كان في قوم موسى من بلادة النفس، وكلالة الحدس، ما لم يمكنه معه الاستدلال بالآيات الحقيقية. ألا ترى أنهم لما عبروا البحر، وأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم، قالوا بعدما شاهدوه من هذه الآيات: اجعل لنا إلها كما