به نحو المفكر فيه، والنطر بالرحمة: هو الإقبال بالرحمة. وحقيقة النظر: هو تقليب الحدقة الصحيحة نحو المرئي طلبا لرؤيته.
المعنى: ثم ذكر سبحانه نعمة أخرى فقال: واذكروا (إذ فرقنا بكم البحر) أي: فرقنا بين الماءين حتى مررتم فيه، فكنتم فرقا بينهما، تمرون في طريق يبس. وقيل معناه: فرقنا البحر بدخولكم إياه، فوقع بين كل فريقين من البحر طائفة منكم، يسلكون طريقا يابسا، فوقع الفرق بينكم. وقيل: فرقنا بكم أي: بسببكم البحر، لتمروا فيه. (فأنجيناكم) يعني من البحر والغرق.
وقوله: (وأغرقنا آل فرعون) ولم يذكر غرق فرعون، لأنه قد ذكره في مواضع كقوله: (فأغرقناه ومن معه) فاختصر لدلالة الكلام عليه، لأن الغرض مبني على إهلاك فرعون وقومه، ونظيره قول القائل: (دخل جيش الأمير البادية) ويكون الظاهر أن الأمير معهم. ويجوز أن يريد بآل فرعون نفسه، كقوله:
(مما ترك آل موسى وآل هارون)، يعني موسى وهارون.
وقوله: (وأنتم تنظرون) معناه: وأنتم تشاهدون أنهم يغرقون. وهذا أبلغ في الشماتة، وإظهار المعجزة. وقيل معناه: وأنتم بمنظر ومشهد منهم، حتى لو نظرتم إليهم لأمكنكم ذلك، لأنهم كانوا في شغل من أن يروهم كما يقال: دور بني فلان تنظر إلى دور آل فلان أي: هي بإزائها، وبحيث لو كان مكانها ما ينظر، لأمكنه أن ينظر إليه، وهو قول الزجاج، وقريب مما قاله الفراء. والأول أصح لأنهم لم يكن لهم شغل شاغل عن الرؤية، فإنهم كانوا قد جاوزوا البحر، وتظاهرت أقوال المفسرين على أن أصحاب موسى عليه السلام رأوا انفراق البحر، والتطام أمواجه بآل فرعون، حتى غرقوا، فلا وجه للعدول عن الظاهر.
القصة: وجملة قصة فرعون مع بني إسرائيل في البحر ما ذكره ابن عباس أن الله تعالى أوحى إلى موسى أن يسري ببني إسرائيل من مصر، فسرى موسى ببني إسرائيل ليلا، فاتبعهم فرعون في ألف ألف حصان، سوى الإناث. وكان موسى في ستمائة ألف وعشرين ألفا. فلما عاينهم فرعون قال:
إن هؤلاء لشرذمة قليلون، وإنهم لنا لغائظون، وإنا لجميع حاذرون. فسرى موسى ببني إسرائيل حتى هجموا على البحر، فالتفتوا فإذا هم برهج (1) دواب