يوجب الاختلاف في قضاياه، ألا ترى أن الاختلاف في ماهية العقل حتى إن بعضهم قال معرفة، وبعضهم قال قوة، لا توجب الاختلاف في أن المائة أكثر من واحد، وأن الكل أعظم من الجزء، وغير ذلك من قضايا العقول.
المعنى: هذه الآية خطاب لعلماء اليهود، وكانوا يقولون لأقربائهم من المسلمين: اثبتوا على ما أنتم عليه، ولا يؤمنون هم. والألف للاستفهام، ومعناه التوبيخ المراد بالبر الايمان بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم (1). وبخهم الله تعالى على ما كانوا يفعلون من أمر الناس بالإيمان بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم، وترك أنفسهم عن ذلك. قال أبو مسلم: كانوا يأمرون العرب بالإيمان بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم إذا بعث، فلما بعث كفروا به.
وروي عن ابن عباس: إن المراد أنهم كانوا يأمرون أتباعهم بالتمسك بالتوراة، وتركوا هم التمسك به، لأن جحدهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصفته، فيه ترك للتمسك به. وعن قتادة: كانوا يأمرون الناس بطاعة الله، وهم يخالفونه.
وروى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (مررت ليلة أسري بي على أناس تقرض شفاههم بمقاريض من نار، فقلت: من هؤلاء يا جبرائيل؟ فقال:
هؤلاء خطباء من أهل الدنيا، ممن كانوا يأمرون الناس بالبر، وينسون أنفسهم. وقال بعضهم: أتأمرون الناس بالصدقة وتتركونها أنتم، وإذا أتتكم الضعفاء بالصدقة لتفرقوها على المساكين، خنتم فيها.
وقوله " وأنتم تتلون الكتاب ": معناه وأنتم تقرأون التوراة، وفيها صفته ونعته، عن ابن عباس. وقوله: " أفلا تعقلون " أفلا تفقهون أن ما تفعلونه قبيح في العقول.
وعن أبي مسلم: إن معناه هذا ليس بفعل من يعقل. وقيل: معناه أفلا تعلمون أن الله يعذبكم ويعاقبكم على ذلك. وقيل: أفلا تعلمون أن ما في التوراة حق فتصدقوا محمدا وتتبعوه. فإن قيل: إن كان فعل البر واجبا، والأمر به واجبا، فلماذا وبخهم الله تعالى على الأمر بالبر؟ قلنا: لم يوبخهم الله على الأمر بالبر، وإنما وبخهم على ترك فعل البر المضموم إلى الأمر بالبر، لأن ترك البر ممن يأمر به، أقبح من تركه ممن لا يأمر به، فهو كقول الشاعر:
لا تنه عن خلق، وتأتي مثله، * عار عليك إذا فعلت عظيم