لكونهم الأكثر، فكذلك القول في الآية. وأجاب القوم عن الاحتجاج الأول وهو قوله تعالى (كان من الجن): بأن الجن جنس من الملائكة سموا بذلك لاجتنانهم عن العيون، قال الأعشى قيس بن ثعلبة:
ولو كان شئ خالدا، أو معمرا * لكان سليمان البري من الدهر براه إلهي، واصطفاه عباده، * وملكه ما بين تونا إلى مصر وسخر من جن الملائك تسعة، * قياما لديه يعملون بلا أجر وقد قال الله تعالى: (وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا) لأنهم قالوا الملائكة بنات الله. وأجابوا عن الثاني، وهو قوله تعالى: (لا يعصون الله ما أمرهم) الآية. بأنه صفة لخزنة النيران، لا لجميع الملائكة، فلا يوجب عصمة لغيرهم من الملائكة.
وأجابوا عن الثالث: بأنه يجوز أن يكون الله تعالى ركب في إبليس شهوة النكاح تغليظا عليه في التكليف، وإن لم يكن ذلك في باقي الملائكة، ويجوز أن يكون الله تعالى لما أهبطه إلى الأرض، تغيرت حاله عن حال الملائكة، قالوا: وأما قولكم إن الملائكة خلقوا من الريح، وهو مخلوق من النار، فإن الحسن قال خلقوا من النور، والنار والنور سواء، وقولكم: إن الجن يطعمون ويشربون، فقد جاء عن العرب ما يدل على أنهم لا يطعمون ولا يشربون. أنشد ابن دريد قال: أنشد أبو حاتم:
ونار قد حضأت، بعيد وهن، * بدار ما أريد بها مقاما سوى ترحيل راحلة، وعين، * أكالئها مخافة أن تناما أتوا ناري، فقلت: منون أنتم، فقالوا: الجن. قلت: عموا ظلاما فقلت: إلى الطعام، فقال منهم * زعيم: نحسد الإنس الطعاما لقد فضلتم بالأكل فينا، * ولكن ذاك يعقبكم سقاما فهذا يدل على أنهم لا يأكلون ولا يشربون، لأنهم روحانيون. وقد جاء في الأخبار النهي عن التمسح بالعظم والروث، لأن ذلك طعام الجن، وطعام دوابهم.
وقد قيل إنهم يتشممون ذلك، ولا يأكلونه. وأجابوا عن الرابع وهو قوله: (جاعل الملائكة رسلا) بأن هذه الآية معارضة بقوله تعالى: (الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس) لأن (من) للتبعيض، وكلا القولين مروي عن ابن عباس. وروي عنه أنه قال: إن الملائكة كانت تقاتل الجن، فسبي إبليس، وكان صغيرا، فكان مع الملائكة، فتعبد معها بالأمر بالسجود لآدم، فسجدوا وأبى إبليس، فلذلك قال الله