واعتزوا بعزها، فناكحوا المسلمين ووارثوهم، وأمنوا على أموالهم وأولادهم، فلما ماتوا عادوا إلى الظلمة والخوف، وبقوا في العذاب، وذلك معنى قوله (فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم) وهذا هو المروي، عن ابن عباس، وقتادة، والضحاك، والسدي. وكان يجب في حق النظم أن يكون اللفظ:
فلما أضاءت ما حوله أطفأ الله ناره، ليشاكل جواب لما معنى هذه القضية، ولكن لما كان إطفاء هذه النار مثلا لإذهاب نورهم، أقيم إذهاب النور مقام الاطفاء، وحذف جواب لما إيجازا واختصارا، لدلالة الكلام عليه، كما قال أبو ذؤيب:
دعاني إليها القلب إني لأمره (1) * مطيع، فما أدري أرشد طلابها وتقديره: أرشد أم غي طلابها، فحذف للإيجاز. ومعنى إذهاب الله نورهم هو أن الله تعالى يسلبهم ما أعطوا من النور مع المؤمنين في الآخرة، وذلك قوله تعالى فيما أخبر عنهم (انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا). وقيل: في معنى إذهاب نور المنافقين وجه آخر: وهو اطلاع الله المؤمنين على كفرهم، فقد ذهب منهم نور الاسلام بما أظهر الله من كفرهم. وقال سعيد بن جبير، ومحمد بن كعب، وعطا: الآية نزلت في اليهود، وانتظارهم خروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإيمانهم به، واستفتاحهم به على مشركي العرب، فلما خرج كفروا به، وذلك أن قريظة والنضير وبني قينقاع، قدموا من الشام إلى يثرب حين انقطعت النبوة من بني إسرائيل، وأفضت إلى العرب، فدخلوا المدينة يشهدون لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم، بالنبوة وأن أمته خير الأمم، وكان يغشاهم رجل من بني إسرائيل يقال له عبد الله بن هيبان، قبل أن يوحى إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كل سنة، فيحضهم على طاعة الله عز وجل، وإقامة التوراة والإيمان بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم، ويقول: إذا خرج فلا تفرقوا عليه وانصروه، وقد كنت أطمع أن أدركه. ثم مات قبل خروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقبلوا منه. ثم لما خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كفروا به، فضرب الله لهم هذا المثل.
سؤال: كيف الله شبه المنافقين أو اليهود، وهم جماعة، بالذي استوقد نارا وهو واحد؟
الجواب: على وجوه أحدها: إن " الذي " في معنى الجمع، كما قيل في .