و " أضاء ": في موضع جزم بالشرط. و " مشوا ": في موضع الجزاء.
و (إذا أظلم): قد تقدم اعراب مثله " ولو " حرف معناه: امتناع الشئ لامتناع غيره، وإذا وقع الفعل بعده وهو منفي كان مثبتا في المعنى. وإذا وقع مثبتا كان منفيا في المعنى فقوله (ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم) قد انتفى فيه ذهاب السمع والابصار بسب انتفاء المشيئة.
المعنى: (يكاد البرق يخطف أبصارهم) المراد يكاد ما في القرآن من الحجج النيرة، يخطف قلوبهم من شدة ازعاجها إلى النظر في أمور دينهم، كما أن البرق يكاد يخطف أبصار أولئك، (كلما أضاء لهم مشوا فيه) لاهتدائهم إلى الطريق بضوء البرق، كذلك المنافقون كلما دعوا إلى خير وغنيمة، أسرعوا، وإذا وردت شدة على المسلمين تحيروا لكفرهم، ووفقوا كما وقف أولئك في الظلمات متحيرين. وقيل: إذا آمنوا صار الإيمان لهم نورا، فإذا ماتوا عادوا إلى ظلمة العقاب. وقيل: هم اليهود لما نصر المسلمون ببدر قالوا: هذا الذي بشر به موسى، فلما نكبوا بالحد وقفوا وشكوا.
وقوله: (ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم) إنما خص السمع والبصر بالذكر، لما جرى من ذكرهما في الآيتين، فقال: ولو شاء الله أذهبهما من المنافقين عقوبة لهم على نفاقهم وكفرهم وهذا وعيد لهم بالعقاب كما قال في الآية الأولى: (والله محيط بالكافرين) وقوله: (بسمعهم) مصدر يدل على الجمع أو واحد موضوع للجمع، كقول الشاعر:
كلوا في بعض بطنكم تعيشوا، فإن زمانكم زمن خميص أي: بطونكم. والمعنى: ولو شاء الله لأظهر على كفرهم فأهلكهم، ودمر عليهم، لأنه على كل شئ قدير، وهو مبالغة القادر. وقيل: إن قوله سبحانه (إن الله على كل شئ قدير) عام فهو قادر على الأشياء كلها على ثلاثة أوجه: على المعدومات: بأن يوجدها، وعلى الموجودات: بأن يفنيها، وعلى مقدور غيره: بأن يقدر عليه ويمنع منه. وقيل: هو خاص في مقدوراته دون مقدور غيره، فإن مقدورا واحدا بين قادرين لا يمكن أن يكون، لأنه يؤدي إلى أن يكون الشئ الواحد موجودا معدوما. ولفظة كل قد يستعمل على غير عموم، نحو قوله تعالى (تدمر كل شئ بأمر ربها).