المحدثين، فكلا الفريقين أهل أن يجالس، فإن جالست أحدهما فأنت مطيع، وإن جالست الآخر فأنت مطيع، وإن جالستهما فأنت مطيع. فكذلك ههنا إن مثلت المنافقين بالمستوقد كنت مصيبا، وإن مثلتهم بأصحاب الصيب فأنت مصيب، وإن مثلتهم بكلا الفريقين فأنت مصيب. وتقديره أو كأصحاب صيب، حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، لأن هذا عطف على قوله (كمثل الذي استوقد نارا) والصيب: ليس بعاقل، فلا يعطف على العاقل.
و " يجعلون ": في موضع الحال من أصحاب الصيب. وقوله " فيه ظلمات ":
جملة في موضع الجر بأنها صفة صيب. والضمير المتصل بفي عائد إلى صيب، أو إلى السماء. و " حذر الموت ": منصوب بأنه مفعول له لأن المعنى يفعلون ذلك لحذر الموت. قال الزجاج: وإنما نصبه الفعل لأنه في تأويل مصدره، لأن جعلهم أصابعهم في آذانهم يدل على حذرهم الموت. قال الشيخ أبو علي: المفعول له لا يكون إلا مصدرا، لأنه يدل على أنه فعل لأجل ذلك الحدث، والحدث مصدر لكنه ليس مصدرا عن هذا الفعل، بل عن فعل آخر.
المعنى: مثل هؤلاء المنافقين في جهلهم وشدة تحيرهم " كصيب " أي:
كأصحاب مطر " من السماء " أي: منزل من السماء (فيه) أي: في هذا المطر أو في السماء، لأن المراد بالسماء: السحاب، فهو مذكر " ظلمات " لأن السحاب يغشي الشمس بالنهار، والنجوم بالليل، فيظلم الجو " ورعد " قيل: إن الرعد صوت ملك يزجر السحاب. وقيل: الرعد هو ملك موكل بالسحاب يسبح، روي ذلك عن ابن عباس، ومجاهد، وهو المروي عن أئمتنا عليهم السلام، وقيل: هو ريح تختنق تحت السماء، رواه أبو الجلد، عن ابن عباس. وقيل: هو صوت اصطكاك اجرام السحاب. ومن قال إنه ملك قدر فيه صوت، كأنه قال فيه ظلمات، وصوت رعد، لأنه روي أنه يزعق الراعي بغنمه.
وقوله: " وبرق " قيل: إنه مخاريق الملائكة من حديد، تضرب به السحاب، فتنقدح عنه النار، عن علي عليه السلام. وقيل: إنه سوط من نور يزجر به الملك السحاب، عن ابن عباس. وقيل: هو مصع ملك عن مجاهد، والمصاع: المجالدة بالسيوف وغيرها. قال الأعشى:
إذا هن نازلن أقرانهن * كان المصاع بما في الجؤن