وجعلوه حديثا مرفوعا كما وضعوا أحاديث أخرى للأمصار المشهورة من مدح وذم - روى ابن عساكر أن كعب الأحبار (1) قال: الأبدال ثلاثون. وقال أيضا الأبدال بالشام والنجباء بالكوفة، ثم ذكر كثيرا من هذه الأقوال عن أهل ذلك العصر في الأبدال والنجباء النقباء والأخيار. ولفظ الأبدال أشهر هذه الألفاظ ولم يكن الناس يفهمون في القرن الثاني والثالث من هذا اللفظ ما ادعاه الصوفية بعد، بل قال الإمام أحمد " إن الأبدال هم أهل الحديث ".
وأما ما في هذه الروايات من أن الله تعالى ينصر أهل الشام ويرزقهم بالأبدال فهو من علل متونها، ودلائل وضعها فالله تعالى قد جعل للنصر أسبابا تعرف من كتابه ومن سننه في خلقه، وقد أخل أفضل الأمم بقيادة أفضل الرسل (عليهم السلام) ببعض أسبابه في غزوة أحد فانكسروا بعد انتصار، وظهر المشركون عليهم، ولما استغربوا ذلك أنزل الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم ما بين له ذلك فقال (أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم: أنى هذا؟ قل هو من عند أنفسكم...) ومن هذه الأسباب الاجتماعية، ما بينه تعالى بقوله (إن تنصروا الله ينصركم) وقوله (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) ومن أسبابه الحسية ما أمر به بقوله:
(وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) ومن أسبابه الروحية المعنوية قوله تعالى: (إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا) الآية.
وبعد أن بين ما كان عليه أهل الشام في سنة 1927 (2) من البؤس وضيق الرزق، والجيوش الفرنسية تدمر بلادهم، وكثيرون منهم يهلكون جوعا وعريا قال: فأين الأبدال وأسرارهم؟! واختتم كلامه رضي الله عنه بقوله: " إن هذه الروايات قد أفسدت بأس الأمة الإسلامية وصار المتصوفة وأهل الطريق المتمسكون بها فتنة لنابتة المسلمين ينفرون أولي الاستقلال العقلي والعلوم العصرية من الإسلام،