الذي هو الشرك بعينه، حتى إذا هوى فيها عمر وأثرت عنه بالعمل اتخذت سنة من بعده وكان لها أثر بالغ لدى المسلمين جميعا في العقيدة الإسلامية على مد العصور، فينهدم بذلك الأساس المتين للدين، ولكن عمر وهو في الأفق من البصيرة بالدين والفقه فيه قد فطن لها ولم يقع في الفخ الذي نصبه له هذا الخدعة، فلم يستسق بأحد حتى بالنبي صلى الله عليه وسلم ولم يزد على الاستغفار.
قال أبو بكر بن أبي الدنيا في كتاب المطر، وفي كتاب مجابى الدعوة عن خوات بن جبير قال: خرج عمر يستسقي بهم فصلى الركعتين فقال: اللهم إنا نستغفرك ونستسقيك، فما برح من مكانه حتى مطروا. وعن الشعبي قال: خرج عمر يستسقي بالناس فما زاد على الاستغفار حتى رجع، فقالوا يا أمير المؤمنين: ما نراك استسقيت؟ فقال: لقد طلبت المطر بمجاديح (1) السماء التي يستنزل بها المطر، ثم قرأ: " استغفروا ربكم إنه كان غفارا، يرسل السماء عليكم مدرارا "، ثم قرأ:
" وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه "... الآية (2).
وعن الشعبي: خرج يستسقي فقام على المنبر فقرأ هؤلاء الآيات:
" استغفروا ربكم إنه كان غفارا " ويقول " استغفروا ربكم ثم توبوا إليه " ثم نزل فقيل يا أمير المؤمنين: ما منعك أن تستسقي؟ فقال: قد طلبت المطر بمجاديح السماء التي ينزل بها القطر.
وعن عبد الله بن دينار الأسلمي عن أبيه قال: لما أجمع عمر على أن يستسقي ويخرج بالناس كتب إلى عماله أن يخرجوا يوم كذا وكذا، وأن يتضرعوا إلى ربهم ويطلبوا إليه أن يرفع هذا المحل عنهم، وخرج لذلك اليوم عليه برد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حتى انتهى إلى المصلى فخطب الناس، وتضرع وجعل الناس يلحون فما كان أكثر دعائه إلا الاستغفار حتى إذا قرب أن ينصرف رفع يديه مادا وحول رداءه وجعل اليمين على اليسار، ثم اليسار على اليمين، ثم مد يده، وجعل يلح في الدعاء ويبكي بكاء طويلا حتى اخضلت لحيته (3).