سمع الحديث عرف مخرجه من أين، وإن لم يتكلم فيه الحفاظ وأهل النقد.
فمن كانت أعماله خالصة لله موافقة للسنة، ميز بين الأشياء كذبها وصدقها..
والله سبحانه وتعالى يلهم الصادق الذكي معرفة الصدق من الكذب، كما في الحديث:
" الصدق طمأنينة والكذب ريبة " وقال لوابصة: " استفت قلبك "، وقد ترك النبي أمته على البيضاء ليلها كنهارها.. وكلام الرسول ولا ريب عليه جلالة وفيه فحولة ليست لغيره من الناس..
وقال ابن تيمية: القلب المعمور بالتقوى إذا رجح بمجرد رأيه فهو ترجيح شرعي... فمتى ما وقع عنده، وحصل في قلبه ما يظن معه أن هذا الأمر، أو هذا الكلام أرضى لله ورسوله، كان ترجيحا بدليل شرعي - والذين أنكروا كون الإلهام ليس طريقا إلى الحقائق مطلقا، أخطأوا. فإذا اجتهد العبد في طاعة الله وتقواه، كان ترجيحه لما رجح أقوى من أدلة كثيرة ضعيفة، فإلهام هذا دليل في حقه وهو أقوى من كثير من الأقيسة الضعيفة والموهومة، والظواهر والاستصحابات الكثيرة التي يحتج بها كثير من الخائضين في المذاهب والخلاف وأصول الفقه.
وقال عمر: " الحق أبلج لا يخفى عن فطن "، وقال حذيفة بن اليمان: " إن في قلب المؤمن سراجا يزهر "، وكلما قوي الإيمان في القلب قوي انكشاف الأمور له وعرف حقائقها من بواطلها، وكلما ضعف الإيمان ضعف الكشف، وذلك مثل السراج القوي والسراج الضعيف في البيت المظلم.. وفي الصحيح عن النبي " قد كان في الأمم قبلكم محدثون، فإن يكن في أمتي منهم أحد فعمر " والمحدث هو الملهم المخاطب في سره، وقد كان أبو سليمان الداراني يسمى أحمد بن عاصم الأنطاكي " جاسوس القلب " لحدة فراسته.. ا ه ما قلناه ملخصا من هذين الفصلين (1).
ومما يجب أن يكون من موازين الحديث الصحيح ألا يمجه الذوق السليم مثل حديث " الذباب "، وألا يخالف أغراض الإسلام العليا التي ترمي إلى سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة.