عدم الحرمة فلان الضرورة يقتضي بجواز الكون بقدر ما يمكن أن يتخلص من الكون مجنبا في المسجد والتخلص منه يحصل بوجهين أما بالخروج عن المسجد أو بالغسل ولا دليل على تعيين الخروج لان اللبث والمشي كليهما حرامان ولا مرجح للمشي بحيث يمكن التمسك به شرعا فكان الغسل بمنزلة طريق ثان وكما لا يجب اختيار طريق واحد من الطريقين في المسجد فكذلك لا يجب اختيار الخروج على الغسل وحينئذ يقع التعارض بين الدلائل الدالة على وجوب الغسل والروايتين الدالتين على وجوب التيمم فكما يرجح دلائل الغسل بالكثرة كذلك يرجح دليلا التيمم بصراحة الدلالة وأظهريتها كما يعلم من التأمل في أدلة الطرفين وكما يمكن الجمع بينهما بحمل الروايتين على أنهما مخصوصتان بما عدا هذه الصورة كذلك يمكن تخصيص الأدلة به نعم قد يظن تخصيص الروايتين لان بناء أكثر الاحكام والاخبار على الغالب المتعارف ولما كان الغالب عدم إمكان الغسل في المسجد خصوصا مع نقصانه عن الخروج وعدم تنجيس شئ من المسجد وآلاته مع نجاسة بعض بدن المغتسل كما فيما نحن فيه إذ مورد الخبر المحتلم فلذا أطلق الحكم بالتيمم فعلى هذا ينبغي أما أن يصار إلى القول بالاختيار بين الغسل والتيمم إن لم نقل بوجود المرجح في طرف الغسل أو بوجوب اختيار الغسل إن قلنا بالترجيح لكن قد يقال إن الحكم بتقديم الغسل في هذه الصورة فقط مما يخاف عليه من كونه خرقا للاجماع المركب لان القائلين بتقديم التيمم قالوا بتقديمه مطلقا والقايلين بتقديم الغسل قالوا بتقديمه مع مساواة زمانه لزمان التيمم أو قصوره عنه وأما القول بتقديمه في هذه الصورة فلم يقل به أحد نعم لو كان في هذه الصورة زمان الغسل مساويا لزمان التيمم أو أنقص منه لكان القول بتقديم الغسل متجها فإن قلت قد ثبت بما ذكرت وجوب الغسل إذا كان زمانه انقص من زمان الخروج وهو أعم من أن يكون زمانه مساويا لزمان التيمم أو أنقص منه أو أكثر خرج الأكثر بالجماع لعدم القابل به وبقي الباقي فثبت الحكم في بعض صور المساواة أو النقصان وهو ما إذا كان زمان الغسل أنقص من زمان الخروج فحينئذ نقول قد ثبت الحكم في بعض الصور فوجب أن يكون ثابتا في الباقي أيضا وإلا لزم خرق الاجماع المركب وبهذا يثبت قول المخالفين قلت يمكن قلب الدليل أيضا عليهم بأن يقال قد ثبت بالوجهين الأولين عدم وجوب الغسل في بعض صور المساواة والنقصان وهو ما إذا كان زمان الغسل أزيد من زمان الخروج فوجب ثبوته في الباقي أيضا وإلا لزم المحذور المذكور فإن قلت فعلى هذا فما التفصي عن ذلك وكيف الحيلة في الخروج عن الشبهة قلت أما بالمنع عن ثبوت الاجماع المركب إذ الظاهر أن مذهب القدماء في تفاصيل تلك المسألة غير معلوم بل أكثرهم أطلقوا القول بوجوب التيمم للخروج على المحتلم في المسجدين ولم يفصلوا القول فيه والتفصيل إنما نشاء من المتأخرين وإذا لم يثبت الاجماع فالامر واضح إذ نقول بمقتضى الدليل الأخير بوجوب تقديم الغسل في جميع ما إذا كان زمان الغسل ناقصا عن زمان الخروج سواء كان مساويا لزمان التيمم أو أنقص أو أكثر ويعمل بمقتضى الوجهين الأولين فيما سوى ذلك ونقول بتقديم التيمم فيه وأما بتسليم الاجماع و منع تمامية الدليل الأخير لما في بعض الشقوق من مجال المنع كما عرفت في أثناء تقريره ومع تماميته أيضا لا يبعد القول برجحان القلب المذكور على معارضته لما في العلم بمقتضاه من التجمد على النص والوقوف مع ظاهر الخبر مع موافقته لظاهر أقوال أكثر الأصحاب ولا يخفى عليك أن في صورة مساواة زمان الغسل لزمان الخروج أيضا لا يمكن إجراء الوجه الأخير لما ذكر في صورة النقصان بعينه لكن يمكن إجراء الوجه الأول لعدم الدليل حينئذ على وجوب الغسل إذ غاية ما يلزم مما ذكرنا أن لا يكون الغسل حراما؟ بل يكون المجنب مخيرا بينه وبين الخروج وأما تعيينه فلا فحينئذ لا يعارض دليل وجوب التيمم بشئ فتعين العمل به فإن قلت بل لا يمكن إجراء الوجه الأول أيضا فيه إذ على تقدير التيمم يلزم ازدياد زمان الكون في المسجد جنبا على القدر الضروري إذ يمكن الغسل في بعض ذلك الزمان وهو الذي بقدر زمان الخروج وإدراك البعض الاخر منه وهو الذي بقدر زمان التيمم متطهرا فحينئذ يجب الغسل لادراك ذلك البعض فقد دل الدليل على وجوبه وسقط الوجه الأول وآل الامر إلى المعارضة كما في صورة النقصان بعينه قلت ازدياد الزمان على تقدير وجوب التيمم وعلى ذلك التقدير لا يمكن القول بوجوب الغسل لأنه بمنزلة تقدير عدم وجوبه وفيه نظر لا، ذلك التقدير ليس تقديرا واقعيا بإثبات بل تقديرا تقديريا فلا استحالة في أن يكون الغسل واجبا على ذلك التقدير ويصير حاصل الدليل هكذا إذا كان التيمم واجبا في صورة مساواة زمان الغسل لزمان الخروج لزم أن يحصل كون زايد على القدر الضروري المباح وكل كون زايد على ذلك القدر يجب الغسل له للعمومات الدالة على وجوب الغسل مطلقا فيجب الغسل لذلك القدر الزايد فيثبت وجوب الغسل على ذلك التقدير ولزوم وجوبه على تقدير وجوب التيمم الذي هو بمنزلة عدم وجوبه لا يضر بالاستدلال إذ غاية ما يزلم منه استحالة عدم وجوبه وذلك غير مضر بل هو مؤيد للمطلق وبعبارة أخرى لو لم يكن الغسل واجبا في صورة مساواة زمانه لزمان الخروج لزم أن يكون التيمم واجبا للاتفاق على عدم المخرج عنهما وإذا كان التيمم واجبا يحصل كون زائد وكل كون زايد يجب له الغسل فإذا لم يكن الغسل واجبا لزم أن يكون واجبا (وهذا خلف) وبطريق آخر إذا كان التيمم في هذه الصورة واجبا لزم أن لا يكون واجبا (هذا خلف) بيان الملازمة أنه على ذلك التقدير يحصل كون زايد وكل كون زايد يجب له التيمم وجوابه أنه حينئذ يكون الكلية القايلة بأن كل كون زايد يجب له الغسل ممنوعة لان ما يجب له الغسل كون زايد يمكن له الغسل شرعا اتفاقا وهذا الكون الزايد على ذلك التقدير لا يمكن له الغسل شرعا لعدم الاذن من الشارع في الكون له نعم كل كون زايد حرام بالعمومات لكنه حينئذ يرجع حقيقة إلى المعارضة بين وجوب التيمم والأدلة الدالة على التحريم عموما وقد ذكرنا في أول المسألة وقس عليه الحال فيما
(٢٢)