فكانت حجتنا عليهم في ذلك أن المضاربة إنما يثبت فيها الربح بعد سلامة رأس المال ووصله إلى يدي رب المال ولم ير المزارعة ولا المساقاة فعل ذلك فيهما ألا ترى أن المساقاة في قول من يجيزها لو أثمرت النخل فجر عنها الثمر ثم احترقت النخل وسلم الثمر كان ذلك الثمر بين رب النخل والمساقي على ما اشترطا فيها ولم يمنع من ذلك عدم النخل المدفوعة كما يمنع عدم رأس المال في المضاربة من الربح وكانت المساقاة والمزارعة إذا عقدتا لا إلى وقت معلوم كانتا فاسدتين ولا تجوزان إلا إلى وقت معلوم وكانت المضاربة تجوز لا إلى وقت معلوم وكان المضارب له أن يمتنع بعد أخذه المال مضاربة من العمل بذلك متى أحب ولا يجير على ذلك وقد كان لرب المال أيضا أن يأخذ المال من يده متى أحب شاء ذلك المضارب أو أبى وليست المساقاة ولا المزارعة كذلك لأنا رأينا المساقي إذا أبي العمل بعد وقوع عقد المساقاة أجبر على ذلك وإن أراد رب النخل أخذها منه ونقض المساقاة لم يكن ذلك له حتى تنقضي المدة التي قد تعاقد عليها فكان عقد المضاربة عقدا لا يوجب إلزام واحد من رب المال ولا من المضارب وإنما يعمل المضارب بذلك المال ما كان هو ورب المال متفقين على ذلك وكانت المساقاة يجبر على الوفاء بما يوجبه عقدها كل واحد من رب النخل ومن المساقي وأشبهت المضاربة الشركة فيما ذكرنا وأشبهت المساقاة الإجارة فيما قد وصفنا ثم إنا قد رجعنا إلى حكم الإجارة كيف لنعلم بذلك كيف حكم المساقاة التي قد أشبهتها من حيث ما وصفنا فرأينا الإجارات تقع على وجوه مختلفة فمنها إجارات على بلوغ مساقاة معلومة بأجر معلوم فهي جائزة وهذا وجه من الإجارات ومنها ما يقع على عمل معلوم مثل خياطة هذا القميص وما أشبه ذلك بأجر معلوم فيكون ذلك أيضا جائزا ومنها ما يقع على مدة معلومة كالرجل يستأجر الرجل على أن يخدمه شهرا بأجر معلوم فذلك جائز أيضا فاحتيج في الإجارات كلها إلى الوقوف على ما قد وقع عليها منها العقد فلم يجز في جميع ذلك إلا على شئ معلوم إما مساقاة معلومة وإما عمل معلوم وإما أيام معلومة وقد كانت هذه الأشياء المعلومة في نفسها لا يجوز أن يكون أبدالها مجهولة بل قد جعل حكم أبدالها كحكمها فاحتيج أن تكون معلومة كما أن الذي هو بدل من ذلك يحتاج أن يكون معلوما وقد كانت المضاربة
(١١٦)