ولم يكن له تركه لان في حكمه النجاة في قولهم جميعا لان من يقول عليه أن يحكم يقول قد ترك ما كان عليه أن يفعله ومن يقول له أن لا يحكم يقول قد ترك ما كان له تركه فإذا حكم يشهد له الفريقان جميعا بالنجاة وإذا لم يحكم لم يشهدا له بذلك فأولى الأشياء بنا أن نفعل ما فيه النجاة بالاتفاق دون ما فيه ضد النجاة بالاختلاف وهذا الذي ذكرنا من وجوب الحكم عليهم قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى فإن قال قائل فأنتم لا ترجمون اليهود إذا زنوا فقد تركتم بعض ما في الحديث الذي به احتججتم قيل له إن الحكم كان في الزناة في عهد موسى عليه السلام هو الرجم على المحصن وغير المحصن وكذلك كان جواب اليهودي الذي سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حد الزاني في كتابهم فلم ينكر ذلك عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان على النبي صلى الله عليه وسلم اتباع ذلك والعمل به لان على كل نبي اتباع شريعة النبي الذي كان قبله حتى يحدث الله شريعة تنسخ شريعته قال الله تعالى أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهوديين على ذلك الحكم ولا فرق حينئذ في ذلك بين المحصن وغير المحصن ثم أحدث الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم شريعة فنسخت هذه الشريعة فقال واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منك فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا وكان هذا ناسخا لما كان قبله ولم يفرق في ذلك بين المحصن وغير المحصن ثم نسخ الله تعالى ذلك فجعل الحد هو الايذاء بالآية التي بعدها ولم يفرق في ذلك أيضا بين المحصن وغيره ثم جعل لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب جلد مائة والرجم فرق حينئذ بين حد المحصن وحد غير المحصن الجلد ثم اختلف الناس من بعد في الاحصان فقال قوم لا يكون الرجل محصنا بامرأته ولا المرأة محصنة بزوجها حتى يكونا حرين مسلمين بالغين قد جامعها وهما بالغان وممن قال بذلك أبو حنيفة وأبو يوسف محمد رحمهم الله تعالى وقال آخرون يحصن أهل الكتاب بعضهم بعضا ويحصن المسلم النصرانية ولا تحصن النصرانية المسلم وقد كان أبو يوسف قال بهذا القول في الاملاء فيما حدثني سليمان بن شعيب عن أبيه فاحتمل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الثيب بالثيب الرجم أن يكون هذا على كل ثيب واحتمل أن يكون على خاص من الثيب فنظرنا في ذلك فوجدناهم مجتمعين أن العبيد غير داخلين في ذلك وأن العبد لا يكون محصنا ثيبا كان أو بكرا ولا يحصن زوجته حرة كانت أو أمة
(١٤٣)