قال أبو جعفر اختلف الناس في المدعى عليه يرد اليمين على المدعى فقال قوم لا يستحلف المدعى وقال آخرون بل يستحلف فإن حلف استحق ما أدعى بحلفه وإن لم يحلف لم يكن له شئ واحتجوا في ذلك بما قد رويناه في غير هذا الموضع عن سهل بن أبي حثمة في القسامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للأنصار تبرئكم يهود بخمسين يمينا فقالوا كيف نقبل أيمان قوم كفار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتحلفون وتستحقون فقالوا قد رد رسول الله صلى الله عليه وسلم الايمان التي جعلناها في البدء على المدعى عليهم فجعلها على المدعين فكان من الحجة عليهم لأهل المقالة الأولى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال أتبرئكم يهود بخمسين يمينا لم يكن من اليهود رد الايمان على الأنصار فيردها النبي صلى الله عليه وسلم فيكون ذلك حجة لمن يرى رد اليمين في الحقوق إنما قال اتبرئكم يهود بخمسين يمينا فقالت الأنصار كيف نقبل أيمان قوم كفار فقال النبي صلى الله عليه وسلم أتحلفون وتستحقون فقد يجوز أن يكون كذلك حكم القسامة ويجوز أن يكون ذلك على النكير منه عليهم إذ قالوا كيف نقبل ايمان قوم كفار فقال لهم أتحلفون وتستحقون كما قال أيدعون ويستحقون فلما احتمل هذين الوجهين لم يكن لأحد أن يحمله على أحدهما دون الآخر إلا ببرهان يدله على ذلك فنظرنا فيما سوى هذا الحديث من قد روى عن رسول لله صلى لله عليه وسلم أنه قال لو الآثار المروية فإذا بن عباس يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه فثبت بذلك أن المدعى لا يستحق بدعواه دما ولا مالا وإنما يستحق بها يمين المدعى عليه خاصة هذا حديث ظاهر المعنى ولا لنا أن نحمل ما خفي علينا معناه من الحديث الأول على ذلك وأما وجه ذلك من طريق النظر فإنا رأينا المدعى الذي عليه أن يقيم الحجة على دعواه لا تكون حجته تلك حجة جارة إلى نفسه مغنما ولا دافعة عنها مغرما فلما وجبت اليمين على المدعى عليه فردوها على المدعى فإن استحلفنا المدعى جعلنا يمينه حجة له وحكمنا له بحجة كانت منه هو بها جار إلى نفسه مغنما وهذا خلاف ما تعبد به العباد فبطل ذلك فإن قال قائل إنما نحكم له بيمينه وإن كان بها جارا إلى نفسه لان المدعى عليه قد رضى بذلك قيل له وهل يوجب رضا المدعى عليه زوال الحكم عن جهته أرأيت لو أن رجلا قال ما أدعى على فلان من شئ فهو مصدق فأدعي عليه درهما فما فوقه هل يقبل ذلك منه
(١٤٩)