فالذي يلزم مخالفك فيما احتججت عليه بما وصفنا يلزمك في هذا مثله فإن قال قائل فما معنى نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحبس الذي رويته عنه في حديث بن عباس رضي الله عنهما قيل له قد قال الناس في ذلك قولين أحدهما القول الذي ذكرناه عند روايتنا إياه والآخر أن ذلك أريد به ما كان أهل الجاهلية يفعلونه من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام فكانوا يحبسون ما يجعلونه كذلك كذلك فلا يورثونه أحدا فلما أنزلت سورة الفرائض وبين الله عز وجل فيها المواريث وقسم الأموال عليها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا حبس ثم تكلم الذي أجازوا الصدقات الموقوفات فيها بعد تثبيتهم إياها على ما ذكرنا فقال بعضهم هي جائزة قبضت من المصدق بها أو لم تقبض وممن قال بذلك أبو يوسف رحمة الله عليه وقال بعضهم لا ينفذها حتى يخرجها من يده ويقبضها منه غيره وممن قال بهذا القول بن أبي ليلى ومالك بن أنس ومحمد بن الحسن رحمة الله عليهم فاحتجنا أن ننظر في ذلك لنستخرج من القولين قولا صحيحا فرأينا أشياء يفعلها العباد على ضروب فمنها العتاق ينفذ بالقول لان العبد إنما يزول ملك مولاه عنه إلى الله عز وجل ومنها الهبات والصدقات لا تنفذ بالقول حتى يكون معه القبض من الذي ملكها له فأردنا أن ننظر حكم الأوقاف بأيها هي أشبه فنعطفه عليه فرأينا الرجل إذا وقف أرضه أو داره فإنما يملك الذي أوقفها عليه منافعها ولم يملك من رقبتها شيئا إنما أخرجها من ملك نفسه إلى الله عز وجل فثبت أن ذلك نظير ما أخرجه من ملكه إلى الله عز وجل فكما كان ذلك لا يحتاج فيه إلى قبض مع القول كان كذلك الوقوف لا يحتاج فيها إلى قبض مع القول وحجة أخرى أن القبض لو أوجبناه فإنما كان القابض يقبض ما لم يملك بالوقف فقبضه إياه وغير قبضه إياه سواء فثبت بما ذكرنا ما ذهب إليه أبو يوسف رحمة الله عليه كتاب الرهن باب ركوب الرهن واستعماله وشرب لبنه حدثنا علي بن شيبة قال ثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا زكريا بن أبي زائدة عن الشعبي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا ولبن الدر يشرب نفقته إذا كان مرهونا
(٩٨)