قال فرقاه رجل بفاتحة الكتاب فبرأ فأعطى قطيعا من الغنم فأبى أن يقبله فسأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له بم رقيته فقال بفاتحة الكتاب قال وما يدريك أنها رقية قال ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خذوها واضربوا لي معكم فيها بسهم فاحتج قوم بهذه الآثار فقالوا لا بأس بالجعل على تعليم القرآن وخالفهم في ذلك آخرون فكرهوا الجعل على تعليم القرآن كما قد يكره الجعل على تعليم الصلاة وقد كان من الحجة لهم على أهل المقالة الأولى في ذلك أن الآثار الأول في ذلك لم يكن الجعل المذكور فيها على تعليم القرآن وإنما كان على الرقي التي لم يقصد بالاستيجار عليها إلى القرآن وكذلك نقول نحن أيضا لا بأس بالاستيجار على الرقي والعلاجات كلها وإن كنا نعلم أن المستأجر على ذلك قد يدخل فيما يرقى به بعض القرآن لأنه ليس على الناس أن يرقى بعضهم بعضا فإذا استؤجروا فيه على أن يعملوا ما ليس عليهم أن يعملوه جاز ذلك وتعليم القرآن على الناس واجب أن يعلمه بعضهم بعضا لان في ذلك التبليغ عن الله تعالى إلا أن من علمه منهم أجزى ذلك عن بقيتهم كالصلاة على الجنائز إنما هي فرض على الناس جميعا إلا أن من فعل ذلك منهم أجزى عن بقيتهم ولو أن رجلا استأجر رجلا ليصلي علي ولى له قد مات لم يجز ذلك لأنه إنما استأجره على أن يفعل ما عليه أن يفعل ذلك فكذلك تعليم الناس القرآن بعضهم بعضا هو عليهم فرض إلا أن من فعله منهم فقد أجزى فعله ذلك عن بقيتهم فإذا استأجر بعضهم بعضا على تعليم ذلك كانت إجارته تلك واستيجاره إياه باطلا لأنه إنما استأجره على أن يؤدى فرضا هو عليه لله تعالى وفيما يفعله لنفسه لأنه إنما يسقط عنه الفرض بفعله إياه والإجارات إنما تجوز وتملك بها الابدال فيما يفعله المستأجرون للمستأجرين فإن قال قائل فهل روى عن النبي صلى الله عليه وسلم شئ يدل على ما ذكرت في المنع من الاستيجار على تعليم القرآن قيل له نعم قد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك أنه قال لا تأكلوا بالقرآن وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه قال كنت أقرئ ناسا من أهل الصفة القرآن فأهدى إلي رجل منهم قوسا على أن أقبلها في سبيل الله تعالى فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي إن أردت أن يطوقك الله بها قوسا من نار فأقبلها
(١٢٧)