ثم نعود على ما انتهى صاحب المسائل إليه كلاما، فإنه قد صرح بفرضه في ذكر ما يعمل عليه من أخبار الآحاد في الدين أو الدنيا، لأنه قال بعد أن عدد ما يعمل فيه على أخبار الآحاد فإن كان جميع التصرف التابع لأخبار الآحاد تابعا لظن وحسبان لا لعلم ويقين، لتمام الحيلة في بعضها وانكشاف الكذب في بعض آخر منها.
فما الفرق بين من قال مثله في التصرف التابع للادراك، وللخبر (1) العدد الكثير لتمام الحيلة وانكشاف المين والكذب في بعضها، وذكر ما يبذله الخزان من الآلات والثياب، ثم ذكر خبر اليهود والنصارى عن قتل المسيح عليه السلام وصلبه.
وهذا كما تراه تصريح منه بأن العمل في جميع ما عددوه عمل بعلم ويقين، وأن تلك الأخبار التي وقع العمل عندها أوجبت العلم لا الظن، ولهذا ألحقها بالعمل عند طرق الادراك.
واعتذر فيها بما يعتذر للادراك، وأن انكشاف كذب بعض الادراك لا يوجب الشك في جميعه.
والكلام على هذا: إن ما نعلم أن العمل في المواضع التي ذكرها بأخبار الآحاد فيما يتعلق بدين أو بدنيا واقع مع الظن بصدق المخبر، لا مع العلم بصدقه والقطع عليه بأمر واضح جلي نعلمه من أنفسنا ضرورة، ولا نحتاج فيه إلى انكشاف الحيلة فيما أخبرنا به، وأن ذلك مما يعتمد أيضا، سنبينه فيما بعد بعون الله ومشيته.
وهو أن أحدنا يعلم من نفسه ضرورة، إذا أخبره وكيله بعقده له على حرة، أو ابتياع أمة، وكذلك إذا أخبرته زوجته بحيضها أو طهرها، أو جاءه رسول بكتاب