فأما القرآن نفسه فدال على ذلك، وهو قوله تعالى (وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة (1)) ولو كان أنزل جملة واحدة لقيل في جوابهم قد أنزل على ما اقترحتم، ولا يكون الجواب كذلك (لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا (2)).
وفسر المفسرون كلهم ذلك بأن قالوا: المعنى إنا أنزلناه كذلك أي متفرقا يتمهل (3) على أسماعه، ويتدرج إلى تلقيه.
والترتيل أيضا إنما هو ورود الشئ في أثر الشئ، وصرف ذلك إلى العلم به غير صحيح، لأن الظاهر خلافه.
ولم يقل القوم لولا أعلمنا بنزوله جملة واحدة، بل قالوا: لولا أنزل إليك جملة واحدة، وجوابهم إذا كان أنزل كذلك أن يقال: قد كان الذي طلبتموه، ولا يحتج لإنزاله متفرقا بما ورد بنزوله في تمام الآية.
فأما قوله تعالى (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن (4)) فإنما يدل على أن جنس القرآن نزل في هذا الشهر، ولا يدل على نزول الجميع فيه.
ألا ترى أن القائل يقول: كنت أقرا اليوم القرآن، وسمعت فلانا يقرأ القرآن، فلا يريد جميع القرآن على العموم، وإنما يريد الجنس.
ونظائره في اللغة لا تحصى، ألا ترى أن العرب يقول: هذه أيام أكل فيها اللحم، وهذه أيام أكل فيها الثريد، وهو لا يعني جميع اللحم وأكل الثريد على العموم، بل يريد الجنس والنوع.