وربما ذهب بعضهم إلى الجبر وإلى التشبيه، اغترارا بأخبار الآحاد المروية، ومن أشرنا إليه بهذه الغفلة يحتج بالخبر الذي ما رواه ولا حدث به ولا سمعه من ناقله فيعرفه بعدالة أو غيرها، حتى لو قيل له في بعض الأحكام: من أين أثبته وذهبت إليه؟ كان جوابه: لأني وجدته في الكتاب الفلاني، ومنسوبا إلى رواية فلان بن فلان. ومعلوم عند كل من نفي العلم بأخبار الآحاد ومن أثبتها وعمل بها، أن هذا ليس بشئ يعتمد ولا طريق يقصد، وإنما هو غرور وزور.
فأما الرواية بأن يعمل بالحديثين المتعارضين بأبعدهما من مذهب العامة، فهذا لعمري دوري، فإذا كنا لم نعمل بأخبار الآحاد في الفروع، كيف نعمل بها في الأصول التي لا خلاف بيننا في أن طريقها العلم والقطع، وإذ قدمنا ما احتجنا إلى تقديمه، فهو الذي نعتمد عليه في جميع المسائل الشرعية.
فنحن نتصفح المسائل التي سطرت وذكرت، ونبين ما عندنا فيها، فأما النصرة لها والدلالة على صحتها، فهي الجملة التي قدمناها، والطريقة التي أوضحناها، فإن اتفق زيادة على ذلك أن يكون طريق آخر للعلم، نبهنا عليه وأرشدنا إليه بعون الله ومشيته.
واعلم أن هذه المسائل التي ذكر انفراد الإمامية بها، ستوجد مشروحة منصورة بالدلالة والطرق في كتاب المسائل الخلاف الشرعية التي عملنا منها بعضها، ونحن على تتميمها وتكميلها بمعونة الله.
فإن هذه المسائل ما اعتمدنا في نصرتها الاقتصار على الأدلة الدالة على صحيح منها، بل أضفنا إلى ذلك مناظرة الخصوم على تسليم أصولها ومناقضتهم، بأن بينا القياس لو كان صحيحا، وأخبار الآحاد لو كانت معمولا عليها على ما يذهبون إليه، لكانت مذاهبنا في الشرعيات كلها أولى من مذاهبهم وأشبه بهذه الأصول التي عليها يعولون، وركبنا في ذلك مركبا غريبا يمكن معه مناظرة الفقهاء على اختلافهم