قلنا: ليس ينبغي أن ترجع عن الأمور المعلومة والمذاهب المشهورة المقطوع عليها، بما هو مشتبه ملتبس محتمل. وقد علم كل موافق ومخالف الشيعة الإمامية تبطل القياس في الشريعة من حيث لا يؤدي إلى علم، فكذلك تقول في أخبار الآحاد.
حتى أن منهم من يزيد على ذلك فيقول: ما كان يجوز من طريق العقل أن يتعبد الله تعالى في الشريعة بالقياس ولا العمل بأخبار الآحاد.
ومن كان هذا مذهبه كيف يجوز أن يثبت الأحكام الشرعية عنه بأخبار لا يقطع على صحتها؟ ويجوز كذب راويها كما يجوز صدقه. وهل هذا إلا من أقبح المناقضة وأفحشها؟
فالعلماء الذين عليهم المعول (1) ويدرون ما يأتون وما يذرون لا يجوزون (2) أن يحتجوا بخبر واحد لا يوجب علما، ولا يقدر أحد أن يحكي عنهم في كتابه ولا غيره خلاف ما ذكرناه.
فأما أصحاب الحديث فإنهم رووا ما سمعوا وحدثوا به ونقلوا عن أسلافهم، وليس عليهم أن يكون حجة ودليلا في الأحكام الشرعية، أو لا يكون كذلك. فإن كان في أصحاب الحديث من يحتج في حكم شرعي بحديث غير مقطوع على صحته، فقد زل وزور، وما يفعل ذلك من يعرف أصول أصحابنا في نفي القياس والعمل بأخبار الآحاد حق معرفتها، بل لا يقع مثل ذلك من عاقل وربما كان غير مكلف.
ألا ترى أن هؤلاء بأعيانهم قد يحتجون في أصول الدين من التوحيد والعدل والنبوة والإمامة بأخبار الآحاد، ومعلوم عند كل عاقل أنها ليست بحجة في ذلك.