ليس بواجب كالأول، ثم لا يزال على هذا أبدا سرمدا معاقبا مثابا. فكيف زعمتم أن الدائمين من الثواب والعقاب لا يجتمع استحقاقهما؟
والجواب عن ذلك: إن العقل غير مانع من أن يجري الأمر على ما ذكر في السؤال، غير أن السمع والاجماع منعا منه، ولا خلاف بين الأمة على اختلاف مذهبها أن من أدخل الجنة وأثبت فيها لا يخرج إلى النار. وإذا كان الإجماع يمنع من هذا التقدير الذي تضمنها السؤال، فلم يبق بعده إلا ما ذكرناه من القطع على أن عقاب المعاصي التي ليست بكفر منقطع.
وإنما قلنا أن الشفاعة مرجوة في إسقاط عقاب المعاصي الواقعة من المؤمنين لأن الإجماع حاصل على أن للنبي صلى الله عليه وآله شفاعة في أمته مقبولة مسموعة.
وحقيقة الشفاعة وفائدتها: طلب إسقاط العقاب عن مستحقه، وإنما يستعمل في طلب إيصال المنافع مجازا وتوسعا، ولا خلاف في أن طلب إسقاط الضرر والعقاب يكون شفاعة على الحقيقة.
والذي يبين ذلك: أنه لو كان شفاعة على التحقيق، لكنا شافعين في النبي صلى الله عليه وآله، لأنا متعبدون بأن نطلب له عليه السلام من الله عز وجل الزيادة من كراماته والتعلية لمنازله، ولتوفير من كل خير بحظوظه، ولا إشكال في أنا غير شافعين فيه عليه السلام لا لفظا ولا معنى.
وليس لهم أن يقولوا: إنا لم نمنع القول بأنا شافعوه (1) له، لنقصان رتبتنا عن رتبته، والشافع يجزي أن يكون أعلى رتبة من المشفوع فيه، وذلك لأن اعتبار الرتبة منهم (2) غلط فاحش، لأن الرتبة إنما تعتبر بين المخاطب والمخاطب،