من الخالدين) (١) فرغبهما في أن يكونا ملكين، ولا يجوز أن يرغبهما بأن يعصيا الله تعالى حتى ينتقلا إلى الحال التي هي دون حالهما، وحالهما هي أفضل منها.
وهي شبهة لها روعة ولا محصل لها عند التفتيش، لأن الفضل الذي هو كثير الثواب لا يجوز أن يستحق إلا بالأعمال، وهي (٢) صارت خلقته خلقة الملك لا يجوز أن يكون ثوابه مثل ثواب الملك.
وإنما رغبهما في أن ينتقلا إلى صورة الملائكة وخلقهم، لا إلى ثوابهم ما تجزا (٣) على أعمالهم، لأن الجزاء على الأعمال تابع لها، ولا يتغير بانقلاب الخلق والصورة، فبطل أن يكون في هذه الآية دلالة على موضع الخلاف.
وأيضا فإن المعتزلة يجوزون على الأنبياء الصغائر من الذنوب:
فيقال لهم: إن يكن آدم عليه السلام اعتقد أن الملائكة أفضل من الأنبياء، وكان ذلك ذنبا صغيرا منه، فرغب في حال الملائكة والانتقال إليها، بناءا على هذا الخطأ، ولا تكون الآية دالة في الحقيقة على أن الملائكة أفضل من الأنبياء.
ومما قيل في هذه الآية: أن قوله (إلا أن تكونا ملكين) أن يراد به إلا أن يصيرا وينقلبا إلى هذه الحالة، وإنما أراد إبليس التلبيس عليهما وإيهامهما أن المنهي عن أكل الشجرة غيرهما، فإن النهي عن تناول الشجر اختص به الملائكة والخالدون. ويجري ذلك مجرى قول أحدنا: ما نهيت عن دخول الدار زيدا دونك.
فأما قوله ﴿لن يستنكف المسيح أن يكون عبد الله ولا الملائكة المقربون﴾ (4)