وقال بعض المعروفين بالتنطع في العلوم النظرية ممن ظاهره المسير على مذهب الشافعي:
الذي يصلح للتعويل أنه إذا وجد حديث ضعيف في فضيلة عمل من الأعمال ولم يكن هذا العمل مما يحتمل الكراهة والحرمة فإنه يجوز العمل به ويستحب؛ لأنه مأمون الخطر ومرجو النفع؛ إذ هو دائر بين الإباحة والاستحباب، فالاحتياط العمل به برجاء الثواب.
وأما إذا دار بين الحرمة والاستحباب، فلاوجه لاستحباب العمل به.
وإذا دار بين الكراهة والاستحباب، فمجال النظر فيه واسع؛ إذ في العمل دغدغة الوقوع في المكروه، وفي الترك مظنة ترك المستحب. فلينظر إن كان خطر الكراهة أشد، بأن يكون الكراهة المحتملة شديدة والاستحباب المحتمل ضعيفا، فحينئذ يترجح الترك على الفعل، فلا يستحب العمل به. وإن كان خطر الكراهة أضعف، بأن تكون الكراهة - على تقدير وقوعها - كراهة ضعيفة دون مرتبة ترك العمل على تقدير استحبابه، فالاحتياط العمل به. وفي صورة المساواة يحتاج (1) إلى نظر تام، والظن أنه مستحب أيضا؛ لأن المباحات تصير بالنية عبادة فكيف ما فيه شبهة الاستحباب لأجل الحديث الضعيف.
فجواز العمل واستحبابه مشروطان. أما جواز العمل، فبعدم احتمال الحرمة. وأما الاستحباب، فبما ذكرنا مفصلا لكن بقي هاهنا شيء وهو أنه إذا عدم احتمال الحرمة فجواز العمل ليس لأجل الحديث؛ إذ لو لم يوجد الحديث يجوز العمل؛ لأن المفروض انتفاء الحرمة.
لا يقال: الحديث ينفي احتمال الحرمة؛ لأنا نقول: الحديث الضعيف لا يثبت به شيء من الأحكام، وانتفاء احتمال الحرمة يستلزم ثبوت الإباحة، والإباحة حكم شرعي، فلا يثبت بالحديث الضعيف. ولعل مراد النووي ما ذكرنا، وإنما ذكر جواز العمل توطئة للاستحباب.