إن دهرا يلف شملي بجمل * لزمان يهم بالاحسان ومثل ذلك في الاستعارة لتقارب المعنى سألتني عن أناس هلكوا * شرب الدهر عليهم وأكل وإنما أراد بالاكل والشرب الافساد لهم والتغيير لأحوالهم.. ومثله يقر بعيني أن أرى باب دارها * وإن كان باب الدار يحسبني جلدا .. والجواب الثاني أن يكون معنى الاستهزاء المضاف إليه تعالى أن يستدرجهم ويهلكهم من حيث لا يعلمون ولا يشعرون.. ويروى عن ابن عباس أنه قال في معنى استدراجه إياهم إنهم كانوا كلما أحدثوا خطيئة جدد لهم نعمة وإنما سمى هذا الفعل استهزاء من حيث غيب تعالى عنهم من الاستدراج إلى الهلاك غير ما أظهر لهم من النعم كما أن المستهزئ منا المخادع لغيره يضمر أمرا ويظهر غيره.. فإن قيل على هذا الجواب فالمسألة قائمة وأي وجه لان يستدرجهم بالنعمة إلى الهلاك.. قلنا ليس الهلاك ههنا هو الكفر وما أشبهه من المعاصي التي يستحق بها العقاب وإنما استدرجهم إلى الضرر والعقاب الذي استحقوه بما تقدم من كفرهم ولله تعالى أن يعاقب المستحق بما شاء أي وقت شاء فكأنه تعالى قال كفروا وبدلوا نعمة الله وعاندوا رسله لم يغير نعمه عليهم في الدنيا بل أبقاها لتكون متى نزعها عنهم وأبدلهم بها نقما تكون الحسرة منهم أعظم والضرر عليهم أكثر.. فان قيل فهذا يؤدى إلى تجويز أن يكون بعض ما ظاهرها ظاهر النعمة على الكفار مما لا يستحق الله به الشكر عليهم.. قلنا ليس يمتنع هذا فيمن استحق العقاب وإنما المنكر أن تكون النعم المبتدأة بهذه الصفة على ما يلزم مخالفينا ألا ترى أن الحياة وما جرى مجراها من حفظ التركيب والصحة لا يعد على أهل النار نعمة وإن كان على أهل الجنة نعمة من حيث كان الغرض فيه إيصال العقاب إليهم.. والجواب الثالث أن يكون معنى استهزائه تعالى بهم أن جعل لهم بما أظهروا من موافقة أهل الايمان ظاهر أحكامهم من نظره ومناكحة ومواريثه وموافقة وغير ذلك من الاحكام وإن كان تعالى معدا لهم في الآخرة أليم العقاب لما أبطنوه من النفاق واستهزؤا به من الكفر فكأنه تعالى قال إن كنتم أيها
(٥٥)