وزعم أن بيت ذي الرمة الذي أنشدناه من هذا المعنى وكذلك بيت الأعشى الذي أنشدناه والأبيات محتملة للامرين فأما البيت الذي لا يحتمل إلا وجها واحدا فهو قول الشاعر وقد خنقتها عبرة فدموعها * على خدها حمر وفى نحرها صفر فإنها لا تكون صفرا في نحرها إلا لأجل الطيب.. فأما قوله - على خدها حمر - فإنما أراد أنها تنصبغ بلون خدها.. والوجه الثالث أن تكون المرأة كانت صفراء على الحقيقة فإن بشارا كثيرا ما يشبب بامرأة صفراء كقوله أصفراء لا أنسى هواك ولا ودى * ولا ما مضى بيني وبينك من عهد لقد كان ما بيني زمانا وبينها * كما كان بين المسك والعنبر الورد أي كما كان بين طيب المسك والعنبر وكقوله أصفراء كان الود منك مباحا * ليالي كان الهجر منك مزاحا وكان جواري الحي إذ كنت فيهم * قباحا فلما غبت صرن ملاحا وقد روى - ملاحا فلما غبت صرن قباحا - وقوله قباحا فلما غبت يشبه قول السيد بن محمد الحميري وإذا حضرن مع الملاح بمجلس * أبصرتهن وما قبحن قباحا فأما قوله - من البيض لم تسرح سواما - فإنه لا يكون مناقضا لقوله صفراء وإن أراد بالصفرة لونها لان البياض ههنا ليس بعبارة عن اللون وإنما هو عبارة عن نقاء العرض وسلامته من الأدناس والعرب لا تكاد تستعمل البياض إلا في هذا المعنى دون اللون لان البياض عندهم البرص ويقولون في الأبيض الأحمر ومنه قول الشاعر جاءت به بيضاء تحمله * من عبد شمس صلتة الخد ومثله بيض الوجوه.. فأما قول بشار في القطعة الثانية - وصفراء مثل الخيزرانة - فإنه يحتمل ما تقدم من الوجوه، وإن كان اللون الحقيقي خص بقوله كالخيزرانة لان الخيزران يضرب إلى الصفرة ويحتمل أيضا أن يريد بصفراء غير اللون الثابت ويكون قوله كالخيزرانة
(٥٣)