مدح شئ قصد إلى أحسن أوصافه فذكرها وأشار بها حتى كأنه لا وصف له الا ذلك الوصف الحسن وإذا أراد ذمه قصد إلى أقبح أحواله فذكرها حتى كأنه لا شئ فيه غير ذلك وكل مصيب بحسب قصده ولهذا ترى أحدهم يقصد إلى مدح الشيب فيذكر ما فيه من قار وخشوع وأن العمر منه أطول وما أشبه ذلك ويقصد إلى ذمه فيصف ما فيه من الادناء إلى الاجل وأنه أخمل الألوان وأبغضها إلى النساء وما أشبه ذلك وهذه سبيلهم في كل شئ وصفوه ولمدحهم موضعه ولذمهم موضعه فمن ذم الوداع لما فيه من الانذار بالفراق وبعد الدار قد ذهب مذهبا صحيحا كما إن من مدحه لما فيه من القرب من المحبوب والسرور بالنظر إليه وإن كان يسيرا قد ذهب أيضا مذهبا صحيحا.. ومن غلط ابن عمار القبيح قوله بعد أن أنشد شعر المجنون وهذا هو الأصل ثم استعاره الناس من بعد.. فقال الشاعر النشر مسك والوجوه دنا * نير وأطراف الأكف عنم وهذا الشعر للمرقش الأكبر وهو والمرقش الأصغر كانا جميعا على عهد ربيعة وشهدا حرب بكر بن وائل فكيف يكون قول المرقش الأكبر بعد قول المجنون لولا الغفلة (مجلس آخر 76) [تأويل آية].. إن سأل سائل عن قوله تعالى (وإذا آتينا موسى الكتاب والفرقان) الآية.. فقال كيف يكون ذلك والفرقان هو القرآن ولم يؤت موسى القرآن وإنما اختص به محمد عليه الصلاة والسلام.. الجواب قلنا قد ذكر في ذلك وجوه .. أولها أن يكون الفرقان بمعنى الكتاب المتقدم ذكره وهو التوراة ولا يكون اسما ههنا للقرآن المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ويحسن نسقه على الكتاب لمخالفته للفظه كما قال تعالى (الكتاب والحكمة) وإن كانت الحكمة مما يتضمنها الكتاب وكتب الله تعالى كلها فرقان تفرق بين الحق والباطل والحلال والحرام.. ويستشهد على هذا
(١٦٨)