وقد هذبتك الحادثات وإنما * صفى الذهب الابريز قبلك بالسبك أما في رسول الله يوسف أسوة * لمثلك محبوسا على الظلم والإفك أقام جميل الصبر في الحبس برهة * فنال به الصبر الجميل إلى الملك على أنه قد ضيم في حبسك العلى * وأصبح عز الدين في قبضة الشرك فأخذ الرقعة التي فيها الأبيات فرفعها إلى خادم كان واقفا على رأسه وقال احفظها وغيبها فان فرج الله عز وجل عنى فذكرني بها لأقضي حق هذا الرجل الحر: وقال لي أبو معشر وقد كنت أنا أخذت مولده وقت عقد له العقد ووقت عقدت البيعة للمستعين بالخلافة فنظرت في ذلك وصححت الحكم للمعتز بالخلافة بعد فتنة تجرى وحروب وحكمت على المستعين بالقتل فسلمت ذلك إلى المعتز وانصرفنا وضرب الدهر ضربه وصح الحكم فأمره قال لي أبو معشر: فدخلت أنا والبحتري إلى المعتز بالله وهو خليفة بعد المستعين وتغريقه فقال لي المعتز: لم أنسك وقد صح حكمك وقد أجريت لك في كل شهر مائة دينار رزقا وثلاثين دينارا نزلا وجعلتك رئيس المنجمين في دار الخلافة وأمرت لك عاجلا باطلاق ألف دينار صلة فقبضت ذلك كله من يومى وقال لي البحتري فتقدمت وأنشدت المعتز قصيدة مدحته بها وهنأته بالخلافة وهجوت فيها المستعين أولها:
يجانبنا في الحب من لا نجانبه * ويبعد عنا في الهوى من نقاربه حتى انتهيت إلى قولي:
وكيف رأيت الحق قر قراره * وكيف رأيت الظلم آلت عواقبه ولم يكن المعتز قد سرى * ليعجز والمغتر بالله طالبه رمى بالقضيب عنوة وهو صاغر * وعرى من برد النبي مناكبه وقد سرني إن قيل وجد عاريا * من الشرق تحدو سقبه وركائبه إلى واسط حيث الدجاج ولم يكن * لينشب إلا في الدجاج مخالبه قال فاستعاد منى هذه الأبيات مرارا فأعدتها ودعا بالخادم الذي كان معه في الحبس وطلب الرقعة التي كنت أنشدته الشعر الذي فيها في حبسه