عن حملها ولما طال الطريق ولم نر محجة ولا إنسانا أحسسنا بالهلاك ومات منا قوم (قال): وأنا في خلال ذلك قد بدأت بختمة وأنا متشاغل بها وبالدعاء إلى أن وقعنا في اليوم الثالث على حلة أعراب فأنكرونا فلم أعمل أنا عملا حتى ولجت بيت امرأة منهم وأمسكت ذيلها وكنت سمعت أن هذا إذا عمله الانسان فهو آمن من شرهم وقد وجب حقه عليهم قال فتفرقنا في بيوتهم، واختلف أحوال الناس فأما أنا فإن صاحب البيت الذي أنزلت عليه لما رأى هيبتي ودرسي للقرآن وأنى لم أزل أحادثه وأرفق به قال لي: ما تشاء؟ قلت تركبني وهذه المرأة وهذه الطفلة راحلة لك وتسير معي إلى دمشق حتى أعطيك ثمن راحلتك واهبها لك وأقضى حقك بعد هذا فتذمم واستحيا وقدرت أنى إذا دخلت إلى دمشق وجدت بها من أصدقاء أخي من آخذ منه ما أريده. فكساني الاعرابي وكسا المرأة والصبية ووطأ لي راحلة ولهما راحلة وحمل معنا من الزاد والماء ما يكفينا وركب معنا راحلة وكان أكثر من وصل معنا إلى ذلك الموضع قد تأتى له مثل ما تأتى لي قال فسرنا ونحن رفقة صالحة العدد فلما كان بعد أيام شارفنا دمشق مع طلوع الشمس فإذا أهلها قد طلعوا يستقبلون الناس، وكل من له صديق أو معرفة يسأل عنه وقد بلغهم خبر القطع. فما شعرت إلا وإنسان يسأل عن كنيتي ونسبتي فقلت ها أنا ذا فعدل إلى فقال: أنت أبو محمد بن الأزرق الأنباري؟ قلت: نعم.
فقام إلى فأخذ بخطام راحلتي وتبعني الاعرابي برواحله حتى دخلنا مع الرجل إلى دمشق فجاء بنا إلى دار حسنة تدل على نعمة حسنة فأنزلنا فلم أشك في أنه صديق لاخى فنزلت والأعرابي، وأخذت جمالنا، وأدخلنا الحمام، وألبست خلعة نظيفة وفعل بالمرأة والصبية كذلك وأقمت يومى وغده في خفض عيش لا أسأله عن شئ ولا يسألني، فلما كان في اليوم الثالث قال لي: ما صورة هذا الاعرابي فأخبرته بما أخذنا منه. فقال خذ ما تريد من الدنانير فقلت كذا وكذا دينارا فأعطانيها فدفعتها إلى الاعرابي وسلمت إليه الجمال، وسألت الرجل أن يزوده زادا لا يكون مثله في البادية فأخرج له شيئا كثيرا وخرج الاعرابي شاكرا. فقال الرجل: أين تريد الآن من البلاد وكم يكفيك من النفقة،