ولو صح هذا المنع لكان في أول الإسلام، ولا شك إنه ارتفع بعد نزول جملة من القرآن حددت خصائصه وأبانت معالمه وميزته عن كل كلام.
ومع ذلك فإن من المقطوع به إن النبي صلى الله عليه وآله أمر بالكتابة، وسمح لجماعة من الصحابة أن يكتبوا الحديث، وكانت له صلى الله عليه وآله صحيفة معلقة بقراب سيفه ورثها عنه أمير المؤمنين علي عليه السلام.
والنبي صلى الله عليه وآله أولى من غيره بحياطة القرآن والحفاظ على سلامة نصه، فلو كان التدوين يختلط بالقرآن لمنعه قبل غيره، هذا إذا كانت كتابة الحديث مع القرآن في صفحة واحدة، فكيف إذا كانت كتابة الحديث منفصلة وتسمى باسم خاص كصحيفة علي عليه السلام، وصحيفة عبد الله بن عمرو، فهل يمكن لمدع أن يدعي اختلاط الحديث بالقرآن؟!
لذلك لم ير الصحابة إن المنع يمثل إلزاما شرعيا يجب أن يخضعوا له بقدر ما اعتبروه رأيا ارتأه البعض لمصالح خاصة وكذلك جماعة من التابعين دعت ممارسة عملية التدوين ولم يبالوا بأمر المنع، ومنهم: محمد بن الحنفية ابن الإمام أمير المؤمنين وميثم بن يحيى التمار وحجر بن عدي الكندي وعروة بن الزبير وسعيد بن جبير والحارث بن عبد الله الهمداني وأبو حمزة الثمالي وزيد بن وهب الجهني وسليم بن قيس العامري الهلالي والأصبغ بن نباتة والحسن بن محمد بن الحنفية وسالم بن أبي الجعد وعطاء بن أبي رباح والضحاك بن مزاحم.
ونعتقد إن المنع من التدوين يخفي أسبابا أعمق من التي علل بها، فهذه تبطن غير ما تظهر، ولا تثبت للنقد الصحيح بأي حال. فلم يكن يراد للحديث النبوي أن يأخذ مداه الطبيعي والصحيح بل أريد له أن يتشكل بحسب الصورة التي آلت إليها الأوضاع بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله، وليس بحسب الحدود والمعالم التي رسمها الرسول صلى الله عليه وآله.
وبعبارة أخرى، أن يساعد على إقصاء أهل البيت عن مركزهم الحقيقي، وإن يساعد على تثبيت السلطة القائمة، والأمران لم يكن للحديث النبوي فيهما أي