وأما في عهد بني أمية فان أمر عمر بقي ساري المفعول، فقد جاء في الأخبار إن معاوية - في وقت سلطه إلى الخلافة - استقدم عبيد بن شرية الجرهمي فكتب له كتاب (الملوك وأخبار الماضين) (1)، ولم يستقدم من يحدثه بحديث رسول الله صلى الله عليه وآله * * * * ولنا هنا وقفة مع ادعاء الخليفة الثاني إن منعه بتدوين الحديث كان خوفا من اختلاطه بالقرآن الكريم فيظن إنه منه، وقد طح عمر بهذا لما فرغ من المنع الرسمي لتدوين الحديث، كما مر وهو ادعاء غير مقبول ولا معقول، لأن القرآن متميز ببلاغة فائقة وبمسحة إلهية تجعله فوق مستوى كلام البشر حتى كلام النبي صلى الله عليه وآله، والقرآن له دليل عليه من نفسه، فنسق كلامه والقرائن التي تحف به تميزه عن أي كلام غيره، ولهذا انبهر العرب بإعجازه بمجرد سماعه، وكانوا يميزونه عن كل كلام.
وبالإضافة إلى ذلك فقد أحاط النبي صلى الله عليه وآله القرآن بسياج من الأحكام الشرعية منها تحريم مس كتابته لغير المتطهر ووجوب الإنصات عند سماعه.
فكيف يختلط على الصحابة - الذين نزل القرآن بين أظهرهم - القرآن بغيره؟
ومع ذلك كله فهل يمكن لمدع أن يدعي إن كتابة الحديث - الشارح للقرآن - محرمة؟!
أليس ذلك إلا تعريضا للحديث الشريف إلى الاندراس والنسيان؟ مع ما يترتب عليهما من آثار ونتائج؟
وإذا تم ذلك - وهو لم يتم - فإن القرآن سيستبهم على المسلمين، لأن فيه ما لا يعرفه إلا رسول الله صلى الله عليه وآله.