قدر كر لم ينجسه شئ وفي رواية لم يحمل خبيثا. ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شئ والأصل الطهارة خرج ما دون الكر بما نذكره فيبقى الباقي على الأصل إلى أن يظهر مناف ولان الاجماع واقع على التقدير والقول بالقلتين باطل. أما {أولا} فللمنع من الحديث الذي استدل به الشافعي وهو قوله (عليه السلام): إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا. فإن الحنفية قد طعنوا فيه حتى قالوا انه مدني فلو كان صحيحا لعرفه مالك. وأما {ثانيا} فلان القلة مجهولة ولقد فسرها أهل اللغة بالجرة وهي أيضا مجهولة فالحوالة فيما يعم به البلوى وما يمر الحاجة إليه على مثل هذا الخفي مناف للحكم فإن ابن دريد قال: القلة من قلل الهجر عظيمة يسع خمس قرب فلا يكون منافيا لما ذهبا إليه من الكر. والقول بمذهب أبي حنيفة باطل لأنه تقدير غير شرعي ولأنه مجهول فإن الحركة قابلة للشدة والضعف والتعليق للطهارة والنجاسة بذلك إحالة على ما لا يعلم والتقدير بعشرة أذرع مجرد استحسان من غير دليل مع أن الحديث الصحيح عندهم يبطل ذلك كله وهو أن النبي صلى الله عليه وآله أتاه الماء فقالوا إن حياضنا يرده السباع والكلاب والبهائم قال لها ما أخذت بأفواهها ولنا ما عين والحوض غالبا يتحرك طرفا بحركة بعضه ولا يبلغ هذا التقدير. ولان التقدير بالحركة يؤدي إلى الحكم بالطهارة والنجاسة في ماء واحد على تقدير اختلاف أوضاعه وهو محال.
احتج أبو حنيفة بقوله (عليه السلام): لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسلن فيه من جنابة إذا أراد بالدائم ا لواقف فلو لم يكن البول مؤثرا في تنجيسه لم يكن للنهي فائدة. والجواب من وجهين الأول: إنا نحمله على القليل جمعا بين الأدلة، الثاني: المنع من حصر الفوائد فيما ذكرتم فإنه قد نهى من البول في الجاري والنهي فيما نهى تنزيه لا يقال بتبعض ما ذكرتموه بما رواه الشيخ عن عبد الله بن المغيرة عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إذا كان الماء قدر قلتين لم ينجسه شئ و (إنما) القلتان جرتان. وبما رواه في الصحيح عن صفوان قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الحياض التي من مكة إلى المدينة تردها السباع ويلغ فيها الكلب ويشرب فيها الحمير ويغتسل منها الخبيث ويتوضأ منه فقال وكم قدر الماء قلت إلى نصف الساق وإلى الركبة فقال توضأ فيه. لأنا نجيب عن الأول بأنه مرسل ولأنه مناف لعمل الأصحاب ولا نه ورد للتقية ولأنه يحتمل أن يكون القلة تسعا وستمائة رطل وقد ذكرناه. وعن الثاني: بأنه مناف لاجماع المسلمين لان القائل بالتقدير لم يقدره بذلك وأيضا فيحتمل أن الامام فهم من ذلك بلوغ الماء قدر كر جمعا بين الأدلة. مسألة: اختلف الرواية في كمية الكر فالمشهور بين الأصحاب ما رواه ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الكر من الماء الذي لا ينجسه شئ ألف ومائتا رطل وهي حسنة عمل عليها الأصحاب لكن اختلف الأصحاب في تعين (تعيين) الرطل قال الشيخ والمفيد إنه عراقي وقدره مئة وثلاثون درهما وقال المرتضى وابن بابويه: مدني قدره مئة وخمسة وتسعون درهما وروى الشيخ في الصحيح عن إسماعيل بن جابر قال قلت لا بي عبد الله (عليه السلام): الذي لا ينجسه شئ قال ذراعان عمقه في ذراع وشبر سعته وناول الشيخ على احتمال بلوغ الأرطال وهو حسن لأنه لم يعتبر أحد من أصحابنا هذا المقدار وروى في الصحيح عن إسماعيل بن جابر قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الماء الذي لا ينجسه شئ قال كر قلت وما الكر قال ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار وكذا ذكر قريب وكذا في المختلف أيضا في ثلاثة أشبار وهي مدفوعة بمخالفة الأصحاب لها إلا ابن بابويه ذكر أن الكر ثلاثة أشبار طولا في عرض في عمق ولعله تعويل على هذه الرواية وهي قاصرة عن إفادة مطلوبة وروى الشيخ عن أبي بصير قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الكر من الماء كم يكون قدره قال إذا كان الماء ثلاثة أشبار ونصفا في ثلاثة أشبار ونصف في عمقه في الأرض فذلك الكر من الماء وهذه الرواية عمل عليها أكثر الأصحاب إلا أن في طريقها عثمان بن عيسى وهو واقفي لكن الشهرة يعضدها. وروى الشيخ عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال الكر ستمائة رطل وناولها الشيخ باحتمال كون الأرطال ضعف العراقي وهو يقوي ما فسره الشيخ في الرطل وروى الشيخ عن عبد الله بن المغيرة عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال الكر من الماء نحو حبي هذا وأشار إلى حب من تلك الحباب التي يكون بالمدينة فلا يمتنع أن يكون الحب تسع مقدار الكر وروى الشيخ في الصحيح عن زرارة قال إذا كان الماء أكثر من راوية لم ينجسه شئ وليس بمناف لما أصلناه لتعليق الحكم على الزيادة فيحمل على بلوغ المقدر جمعا بين الأدلة وروى محمد بن يعقوب عن الحسن بن الصالح الثوري عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الكر ثلاثة أشبار ونصف عمقها في ثلاثة أشبار ونصف عرضها وليس يحضرني الآن حال الحسن بن صالح بن حي فإنه قدر الكر بثلاثة آلاف رطل وهو مدفوع بما قدمناه من الأحاديث وبالإجماع فإن أحدا لم يقدره بذلك. فروع: [الأول] الاعتبار في الأشبار إنما هو بالغالب لا بالنادر لان إحالة الشرع في ذلك إنما هو على المتعارف. [الثاني] التقدير الذي ذكرناه تحقيق لا تقريب لأنه تقدير شرعي تعلق به حكم شرعي فيناط به ومجموعه تكثيرا اثنان وأربعون شبرا وسبعة أثمان وقال القطب الراوندي: مجموعه عشرة أشبار ونصف لان المراد ليس هو الضرب، أما الشافعي: فقد اختلف أصحابه في الرواية عنه فقال قوم إنه تحقيق وآخرون إنه تقريب وعن الحنابلة وجهان.
[الثالث] إذا وقعت النجاسة المايعة في المقدر الذي لا يقبل التنجيس ولم يغيره جاز استعمال جميعه وهو قول أكثر الشافعية خلافا لبعضهم لان البلوغ موجب لعدم التأثير فيسقط حكم اعتبار النجاسة ولان النجاسة شائعة في أجزاء الماء فتخصيص الباقي المساوي بالمنع ترجيح من غير مرجح وهذا التقدير سار في كل واقف سواء كان محبوبا في الله أو غيرهما وإن كانت النجاسة مميزة جاز استعمال الماء المجاور لها ولا يجب التباعد حدا للكثير