فلما صلى بهؤلاء السجدتين وقاموا سجد الآخرون الذين كانوا خلفهم ثم تأخر الصف الذي يليه إلى مقام الآخرين ويقدم الصف الآخر إلى مقام الصف الأول ثم ركع رسول الله صلى الله عليه وآله وركعوا جميعا ثم سجد وسجد الصف الذي يليه وقام الآخرون يحرسونهم فلما جلس رسول الله صلى الله عليه وآله والصف الذي يليه سجد الآخرون ثم جلسوا جميعا فسلم عليهم وروى جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وآله صلى الظهر ببطن النخل جعل أصحابه طائفتين فصلى بالأول ركعتين ثم سلم وصلى بالأخرى ركعتين قال الشيخ ولو صلى كما صلى النبي صلى الله عليه وآله بعسفان جاز ونحن نتوقف في هذا لعدم ثبوت النقل عندنا عن أهل البيت عليهم السلام بذلك. * مسألة: ويشترط لصلاة ذات الرقاع أمور، الأول: كون العدو في خلاف جهة القبلة ذهب إليه علماؤنا أجمع وبه قال الشافعي خلافا لأحمد. لنا: أن النبي صلى الله عليه وآله كذا فعلها فيجب متابعته احتج أحمد بأن العدو قد يكون في جهة القبلة على وجه لا يمكنه أن يصلي بهم صلاة عسفان لكثرتهم وانتشارهم وخاف كثر لهم فلو منعوا من صلاة ذات الرقاع أيضا أفضى ذلك إلى تفويت صلاة الخوف والجواب: ليست الصلاة منحصرة في هذين ومع التسليم يمنع استحالة اللازم. الثاني: عدم الامن من العدو بحيث يخاف المسلمون أنهم متى اشتغلوا بالصلاة عنهم أكثر عليهم الثالث: أن يكون في المسلمين كثرة يمكن أن يفرق فرقتين كل فرقة بمقاومة العدو ليحصل المتابعة بفعل النبي صلى الله عليه وآله فإنه هكذا فعل. الرابع: أن يكون القتال سائغا واجبا كان كالجهاد مع دعاء الامام إليه أو غير واجب كالمدافعة عن المال فلو كان حراما كالعار من الزحف وقاطع الطريق والباغي لم يرخصوا في هذه الصلاة لان الأفعال لا عموم لها ووجوب المتابعة إنما يدل على الوجه الذي فعله النبي صلى الله عليه وآله. فروع: [الأول] لا يشترط كون كل فرقة ثلاثا فصاعدا وقال الشافعي يشترط. لنا: الأصل عدم الاشتراط احتج المخالف بقوله تعالى: (فلتقم طائفة منهم معك) والطائفة ثلاثة فما زاد ولقوله تعالى: (وليأخذوا أسلحتهم) وأقل الجمع ثلاثة. والجواب عن الأول: أن لفظ الطائفة قد يقع على الواحد فإنه يسمى طائفة ذكره القراء والقطعة من الأرض يسمى طائفة وعن الثاني: أن الكناية راجعة إلى من صلى مع النبي صلى الله عليه وآله وليس ذلك شرطا كما إن غدت وصل معه ليس بشرط إجماعا. [الثاني] لا يجب التسوية بين الطائفتين لعدم ورود النص بالوجوب فالأصل عدمه نعم يجب أن يكون الطائفة ممن يفي بحراسة المسلمين ويجعل الثقة بالاكتفاء بهم. [الثالث] قال الشيخ في المبسوط لو احتاج أن يفرقهم أربعا لم يصح لأنها مقصورة ويصلي بفرقتين ركعتين ثم يعيدها بالباقين فيكون لهم فرضا وله نفلا أما لو كانت صلاة المغرب وافتقر إلى أن يفرقهم ثلاثا فالأقرب الجواز ويصلي بكل طائفة ركعة فيقوم في الثالثة إلى أن يتم الأولى ثلاثا ثم يأتي الثانية فيصلي بهم الثانية وينتظرها في الجلوس إلى أن يتم ثلاثا ثم يذهب ويأتي الثانية فيصلي بهم الثالثة ويطيل تشهده إلى أن يتموا ويسلم بهم وعلى القول الآخر لأصحابنا من وجوب التمام في الحضر لو احتاج إلى أن يفرقهم أربعا أمكن إن نوى المأمومون المقاربة خلافا للشيخ في الخلاف والشافعي في أحد قوليه.
لنا: تفريعا على القول بالتمام أنه صلى صلاة واجبة لم يخل بشئ من واجباتها فيجزي كما لو صلاها في الامن احتج الشيخ بأنها لم يشرع كذلك واحتج الشافعي بأن صلاة الخوف فيها انتظار ان وإذا كانت رباعية تضاعف الانتظار فصار أربعا فزيادة انتظارين يكون زيادة لما ليس من الصلاة فيها والجواب عن الأول: أن صلاة الجماعة مشروعة أقصى ما في الباب أن المأموم هنا قد فارق إمامه لكنا نجوز له ذلك مع النية وقد تقدم الثاني: أن هذه الزيادة إنما هي في الصلاة في موضعها كما لو طول القيام قارئا أو ذاكرا ولان الحاجة قد تدعو إليه وعلى هذا يكون صلاة الامام والمأمومين صحيحة خلافا للشافعي في أحد قوليه فإن في القول الآخر قال يبطل صلاة الطائفة الأولى والثانية والثالثة ويصح صلاة الامام والطائفة الرابعة بناء على أن الطوائف الثلاث فارقة الامام بغير عذر. والجواب: لا نسلم انتفاء العذر هنا ولان المفارقة في صلاة الخوف سائغة ولو صلى بطائفة ثلاث ركعات وبأخرى ركعة جاز ذلك أيضا عملا بالأصل ولان فيه قلة انتظار عن الأول فكما ساغ ذاك فهو أولى ولا يجب سجود السهو ها هنا لعدم موجبه خلافا للشافعي فإنه أوجب على الامام والطائفة الأخرى سجود السهو لأنه وضع للانتظار في غير موضعه وهو سهو فإن الفاقد غير الساهي والسجود السهو إنما يجب فيما لم يؤمن بفعله ولم يكن سائغا مع العمد. [الرابع] لو قلنا بجواز صلاة عسفان اشترط أن يكون العدو في جهة القبلة وإن يكون في المسلمين كثرة وأن يكون العدو على وجه الأرض ليس بينه وبين المسلمين حائل كجبل وشبهه يمنع من النظر إليهم ليتحفظوا من الحمل عليهم ولكنه قال المجوزون ولو وقف الذين يحرسونهم في الصف الأول وسجد مع الامام أهل الصف الأخير جاز ولو سجد الجميع إلا بعض صف جاز. [الخامس] قال الشيخ في المبسوط ينبغي للطائفة الأولى الانفراد في الصلاة ذات الرقاع عند القيام إلى الثانية فلو سهت بعد مفارقة الامام لحقها حكم سهوها ولو سهت في الركعة الأولى ثم يعيد به لأنه لا سهو على المأموم وهو حينئذ قال ولو سهى في الأولى ما يوجب السجود كان عليها أن يسجد بعد فراغها للسهو وفيه نظر إذ لم يثبت عندنا أن المأموم يلزمه حكم سهو إمامه أما الطائفة الثانية فقال قوم من الجمهور أنه يلحقها حكم سهو إمامها في جميع الصلاة ما أدركت منها وما سبقها به ولا يلحقها حكم سهوها في شئ من صلاتها لأنها فيما فارقته في حكم المؤتم وقال الشيخ لا يجب عليها متابعة الامام في الأول وهو جيد ثم قال ولو سها في الركعة التي يصلي بهم ينفوه إذا سجد بسهوه والاشكال كالأول وكل سهو ينفرد به المأمومون فإنهم يختصون بسجوده وليس على الإمام عليه السلام