من أربعة برد من عسفان إلى مكة ولأنها مسافة مشقة السفر من الحل والشد فجاز القصر فيها احتج أبو حنيفة بقوله عليه السلام يمسح المسافر ثلاثة أيام ولياليهن وهذا يقتضي أن يكون كل مسافر له هذه الرخصة وإنما يكون استيفاؤها لكل مسافر إذا تقدر السفر بما قلناه إذ لو صدق على الأقل لما كان الحكم عاما ولان الرخصة بناء على المشقة الزائدة وذلك يحصل بأن يسير من غير أهله ويبيت في غير أهله وذلك إنما يحصل غالبا بمسيرة ثلاثة أيام ولان الثلاثة متفق عليهما وليس في أقل من ذلك توقيف ولا اتفاق احتج داود بظاهر قوله تعالى: (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة) من غير تفصيل واحتج الزهري بما روي عن ابن عمر وابن عباس أنهما كانا يقصران في ثلاثين ميلا عشرة فراسخ والجواب عن الأول:
أنه لا تعويل على عمل اثنين من الصحابة مع سلامته عن المعارض فكيف مع وجوده والمعارض موجود بما نقل عنهما أنهما قصرا في أقل من ذلك، وعن الثاني: أن المشقة غير منضبطة فلا يجوز التعليل بها وأيضا فهي حاصلة في مسيرة يوم فيثبت الحكم فيه، وعن الثالث: مع تسليم الحديث أنه بيان لمدة المسح لا أنه حد للسفر على إنا نمنع العموم والحديث أيضا، وعن الرابع: أن المشقة موجودة بمسيرة اليوم فيثبت الحكم فيه على أنه تعليل بوصف مضطرب فلا يصح، وعن الخامس: بالمنع من عدم التوقيف فيما دون الثلاث، وعن السادس: أنه مناف للاجماع إذ قد ثبت عن الصحابة والتابعين التحديد، وعن السابع: أنه غير مناف لما ذهبنا إليه إذ قصرها لاشتمال المسافة على الحد الذي ذكرناه لا لأنه الحد. فروع:
[الأول] لا خلاف في أن الفرسخ ثلاثة أميال أما الميل فالمشهور أنه أربعة آلاف ذراع والذراع أربعة وعشرون أصبعا وروي أنه ثلاثة آلاف وخمس مئة ذراع وقال بعض الشافعية اثنا عشر ألف قدم قال صاحب الصحاح الميل من الأرض منتهى مد البصر عن ابن السكيت وشهادة العرف تقضي بما قلناه أولا إذ مسير اليوم للإبل ينتهي إلى ما قلناه واللغة تقاربه. [الثاني] لو شك في المسافة أتم لان المقتضي لشغل الذمة موجود والمعارض وهو تيقن السفر غير حاصل ولو صلى مع الشك قصرا فبان الخلاف أعاد مطلقا ولو ظن أنه مسافة أعاد أيضا لأنه دخل في صلاة شك في صحتها ولان فرضه الاتمام ولم يأت به ولو اختلف المخبرون ولم يحصل الترجيح أتم لما قلناه ولو تعارضت البينتان قصر عملا ببينة الاثبات. [الثالث] لو كانت المسافة أربعة فراسخ وعزم على الرجوع ليومه قصر واجبا في الصلاة والصوم ذهب إليه أكثر علمائنا وللشيخ قولان، أحدهما: ذلك، والثاني التخيير. لنا: أنه شغل يومه بالسفر فكان كالمسافر ثماني ولما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام في كم يقصر الرجل قال في بياض يوم أو بريدين وما رواه في الصحيح عن معاوية بن وهب قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام أدنى ما يقصر فيه الصلاة قال بريد ذاهبا وبريد جاءنا وما رواه في الموثق عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال سألته عن التقصير قال في بريد قلت بريد قال إنه إذا ذهب بريدا ورجع بريدا فقد شغل يومه أما لو لم يرد الرجوع من يومه قال ابن بابويه يتخير في التقصير والاتمام وبه قال الشيخ في التهذيب وقال في النهاية يتخير في الصلاة دون الصوم وقال السيد المرتضى يتم فيهما واجبا وهو الأقرب. لنا: أن الشرط وهو المسافة لم تحصل فلا تثبت الرخصة احتجوا بما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال التقصير في بريد والبريد أربعة فراسخ ومثله رواه في الحسن عن أبي أيوب عن أبي عبد الله عليه السلام وما رواه في الصحيح عن أبي أسامة زيد الشحام قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول يقصر الرجل في مسيرة أثني عشر ميلا. والجواب: أنها محمولة على ما إذا أراد الرجوع لأنه محتمل فيجب المصير إليه جمعا بين الأدلة. [الرابع] لو كانت المسافة ثلاثة فراسخ وتردد فيها ثلاث مرات لم يقصر لأنه بالعود انقطع سفره ولعدم الدليل على القصر مع وجود المقتضي لشغل الذمة ولو كانت المسافة أكثر من أربع ولم يبلغ الحد كان حكمها حكم الأربع. * مسألة: والقصد للمسافة شرط للقصر فالهائم لا يترخص وكذا لو قصد ما دون المسافة ثم قصد ما دونها دائما لم يقصر ذاهبا ولو قطع أضعاف المسافة ولو عاد طالبا منزله قصر إن بلغ الحد وإلا فلا فهو قول عامة أهل العلم وروى الشيخ عن صفوان عن الرضا عليه السلام في الرجل يخرج من بغداد يريد أن يلحق رجلا على رأس ميل فلم يزل يتبعه حتى بلغ النهروان وهي أربعة فراسخ من بغداد أيفطر إذا أراد الرجوع ويقصر قال لا يفطر ولا يقصر لأنه خرج من منزله وليس يريد السفر ثمانية فراسخ وإنما خرج يريد أن يلحق صاحبه في بعض الطريق فتمادى به المسير إلى الموضع الذي بلغه ولو أنه خرج من منزله يريد النهروان ذاهبا وجائيا لكان عليه أن ينوي من الليل سفرا والافطار فإن هو أصبح ولم ينو السفر وبدا له من بعد إن أصبح في السفر قصر ولم يفطر يومه ذلك. فروع: [الأول] الاعتبار بالقصد والشروع في السفر لا الفعل فلو خرج إلى السفر بحيث يخفى عليه الأذان والجدران ناويا للمسافة ترخص وجوبا ولا نعرف في جواز القصر خلافا بين أهل العلم روى الشيخ عن أبي سعيد الخدري قال كان النبي صلى الله عليه وآله إذا سافر فرسخا قصر الصلاة وفي الصحيح عن عمر بن سعيد قال كتب إليه جعفر بن محمد يسأله عن السفر في كم التقصير فكتب بخطه وأنا أعرفه قد كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا سافر أو خرج في سفره قصر في فرسخ وليس التقدير بالفرسخ لازما بل الضابط غيبوبة الجدران أو خفاء الأذان. [الثاني] لو كان مسافرا في البحر كان حكمه حكم المسافر في البر من اعتبار المسافة سواء قطعها في مان طويل أو قصير لا نعرف فيه خلافا. [الثالث] لو قصد بلدا بعيدا وفي عزمه أنه متى وجد مطلوبه دونه رجع لم يقصر لأنه غير جازم بالسفر. [الرابع] لو كان لمطلوبه طريقان أحدهم مسافة فسلكه قصر لان الشرط موجود ولو كان ميلا إلى الرخصة وبه قال أبو حنيفة والشافعي في الاملاء والمزني وقال الشافعي