في الدارين بسعده، ووعد من شكر المزيد. وأعطى من صبر ما يريد، وعضد من اتخذه ذخرا. وأجزل لمن تصدق من أجله ثوابا وأجرا، ومنحه خيري الدنيا والأخرى. أحمده على ما وهب من إحسانه، وأشكره على ما يسر من سلوك مناهج امتنانه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة عبد ألهمه الله رشده، فأنفق ماله ابتغاء ما عنده.
وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي اصطفاه لرسالته، وخصه بكرامته. (ص) وعلى آله وصحابته، وسلم تسليما كثيرا.
وبعد، فإن أفضل الصدقات ما كان عائدا نفعه على المتصدقين. وما اتصل بره ورفده بالفقراء والمساكين، ورغب في ثوابه والتقرب به إلى رب العالمين، وابتغى ما عنده من الزلفى والنعيم المقيم، يوم يجزي الله المتصدقين، ولا يضيع أجر المحسنين.
وكان فلان - أنجح الله قصده، وأناله خير ما عنده - ممن أنار نجم سعادته في فلك سماء سيادته، وقضت له العناية الربانية بالتقرب بهذا المعروف إلى الله العظيم والعمل بقول النبي عليه أفضل الصلاة والسلام: إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث، الصدقة الجارية حد هذا التقسيم. فحينئذ أشهد على نفسه النفيسة - صانها الله من الغير، وحمى حماها من الأنكاد والكدر - أنه وقف وحبس وسبل إلى آخره - جميع المكان المبارك المشتمل على كذا وكذا - ويذكر ما اشتمل عليه من المساكن وعدتها، والأواوين والمربعات الصيفية والشتوية، والصفات والخلوات، ويستوعب وصفه استيعابا حسنا، ويحدده - ثم يقول: وجميع كذا - ويصفه ويحدده - وجميع كذا وجميع كذا - ويصف كل مكان على حدته، ويحدده - فإذا انتهى ذكر ذلك جميعه، يقول: وقفا صحيحا شرعيا - إلى آخره - ثم يقول:
فأما المكان الموصوف المحدود أولا: فإن الواقف المذكور - وفر الله له الأجور - وقفه خانقاه للصوفية. وقرر فيه إماما شافعيا أو حنفيا، وشرط أن يصرف له في كل شهر من شهور الأهلة كذا وكذا. وقرر بها شيخا ومائة فقيه مثلا من أهل التصوف اللابسين خرقة التصوف الناسكين السالكين الورعين، العفيفين الأنفس، المتجنبين للفواحش، الكثيرين العبادة والصيام، والقيام والتهجد والتسبيح والتهليل والتكبير والذكر، والتنظيف والتطهير والتسويك، وعلى أن يكون الشيخ من العلماء الأخيار، الأتقياء الأبرار، سيرته