الضعفاء في المقام المأنوس، وفيه لكل كبد حرى من المناهل العذبة ما يروى به الظمآن، ويرجى به لواقفه من الله الخلود في غرفات الجنان.
ولما اتصل علم ذلك لمولانا المقام الشريف الأعظم السلطاني، الملكي الفلاني أعز الله نصره، وضاعف ثوابه وأجره، وتحقق ما في ذلك من الاجر الجزيل، الذي لم يزل للبان فضله رضيعا. رغب في ازدياد أجوره عند الله، الذي لم يزل بصيرا سميعا. ليجد بركة هذه الصدقة في الدنيا بدفع البلاء، وفي الآخرة بارتقائه في الدرجات العلي محلا رفيعا، والاتسام بسمة من قال في حقه جل وعلا: * (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا) *.
فحينئذ أشهر على نفسه الشريفة - ضاعف الله شرفها، وأعلا في درجات الجنات غرفها - وهو في حال تمكن سلطانه، ونفوذ كلمته وثبوت جثمانه: أنه وقف وحبس وسبل - إلى آخره - جميع المكان الفلاني - ويصفه ويحدده، ويصف الموقوف عليه وصفا تاما. ويحدد كل مكان منه على حدته - ثم يقول: وقفا صحيحا شرعيا - إلى آخره - ثم يقول:
فأما المكان المبارك المحدود الموصوف أولا: فإن الواقف المشار إليه - زاده الله توفيقا، وفتح له إلى كل خير طريقا - وقفه بيمارستانا، برسم المرضى من المسلمين الذين يأتون إليه للتداوي قاصدين. يرجون العافية وعلى الله متوكلين، من الرجال والنساء. والأحرار والعبيد والإماء. وقرر به من الرجال أربعة أنفار حكماء طبائعية.
وأربعة حكماء من الجرائحية، وأربعة حكماء كحالين، يتردد كل منهم إلى البيمارستان المشار إليه بكرة وعشيا. ويتعاهد الحكماء الطبائعية ما هم بصدده من عيادة المرضى بالبيمارستان المشار إليه، من الرجال والنساء والإماء والعبيد ومباشرتهم، والنظر في حالهم والتلطف بهم، ومساءلتهم عن أوجاعهم وتشخيص ما أمكن من أمراضهم، ومعالجتهم بما يصلح لهم من الأدوية والأشربة والأغذية، والشربات والحقن. وغير ذلك في أول النهار وآخره.
ويتعاهد الحكماء الجرائحية من تحت نظرهم من أصحاب العاهات والطلوعات، والبثورات والثآليل، والسلع والدماميل، والقروح والبواسير والجروح وغير ذلك. والنظر في أحوالهم ومعالجتهم بما يصلح لهم من المراهم والادهان والمذرورات والشق والبط وغير ذلك، مما هو موافق لأمراضهم، وما يستعملونه من الطعام والشراب والحمام والنطولات، كل واحد بحسب حاله.