مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ٣
القتل إلى عمد وغيره، فقال: (الفعل) الصادر من شخص مباشرة أو سببا جرحا كان أو غيره، (المزهق) بكسر الهاء: أي القاتل للنفس، أقسامه (ثلاثة عمد وخطأ وشبه عمد) وجه الحصر في ذلك أن الجاني إن لم يقصد عين المجني عليه فهو الخطأ، وإن قصدها فإن كان بما يقتل غالبا فهو العمد، وإلا فشبه العمد. روى البيهقي عن محمد بن خزيمة أنه قال: حضرت مجلس المزني يوما فسأله رجل من العراق عن شبه العمد، فقال: إن الله وصف القتل في كتابه بصفتين عمد وخطأ فلم قلتم إنه ثلاثة أصناف؟
فاحتج عليه المزني بما روى أبو داود والنسائي وابن ماجة وابن حبان عن سفيان بن عيينة عن علي بن زيد بن جدعان عن القاسم بن ربيعة عن عبد الله بن عمر، أن النبي (ص) قال: ألا إن في قتيل عمد الخطأ قتيل السوط أو العصا مائة من الإبل مغلظة منها أربعون خلفة في بطونها أولادها. فقال المناظر: أتحتج علي بعلي بن زيد بن جدعان؟
فسكت المزني. فقلت للمناظر: قد رواه جماعة غيره منهم أيوب السختياني وخالد الحذاء. فقال للمزني: أنت تناظر أم هذا؟ فقال: إذا جاء الحديث فهو يناظر لأنه أعلم به مني ثم أتكلم.
تنبيه: إنما قيد الفعل بالازهاق مع أن الجرح والأطراف حكمها كذلك لأنه يذكرها بعد في قوله: ويشترط لقصاص الطرف والجرح ما شرط للنفس. فإن قيل: كان الأحسن التعبير بالافعال ليطابق المبتدأ الخبر. أجيب بأنه أراد بالفعل الجنس. وشبه بكسر الشين وإسكان الباء، ويجوز فتحهما، ويقال أيضا شبيه كمثل ومثل ومثيل.
فائدة: يمكن انقسام القتل إلى الأحكام الخمسة: واجب وحرام ومكروه ومندوب ومباح، فالأول قتل المرتد إذا لم يتب والحربي إذا لم يسلم أو يعط الجزية. والثاني: قتل المعصوم بغير حق. والثالث: قتل الغازي قريبه الكافر إذا لم يسب الله أو رسوله. والرابع: قتله إذا سب أحدهما. والخامس: قتل الإمام الأسير فإنه مخير فيه كما سيأتي. وأما قتل الخطأ فلا يوصف بحرام ولا حلال لأنه غير مكلف فيما أخطأ فهو كفعل المجنون والبهيمة. (ولا قصاص) في شئ من هذه الثلاثة، (إلا في العمد) لقوله تعالى: * (كتب عليكم القصاص في القتلى) * الآية، سواء مات في الحال أم بعده بسراية جراحة.
وأما عدم وجوبه في شبه العمد فللحديث المار، وأما في الخطأ فلقوله تعالى: * (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة) * فأوجب الدية ولم يتعرض للقصاص.
تنبيه: يشترط في العمد أن يكون ظلما من حيث كونه مزهقا للروح، بخلاف غير الظلم، وبخلاف الظلم لا من تلك الحيثية، كأن عدل عن الطريق المستحق في الاتلاف كأن استحق حز رقبته قودا فقده نصفين. والقصاص بكسر القاف المماثلة، وهو مأخوذ من القص وهو القطع، أو من اقتصاص الأثر وهو تتبعه، لأن المقتص يتبع جناية الجاني ليأخذ مثلها. (وهو) أي العمد في النفس، (قصد للفعل) العدوان (و) عين (الشخص بما يقتل) قطعا أو (غالبا).
وقوله: (جارح أو مثقل) جرى على الغالب، ولو أسقطهما كان أولى ليشمل ذلك القتل بالسحر وشهادة الزور ونحو ذلك، وهما مجروران على البدل من ما، ويجوز رفعهما على القطع، أو لعله قصد بالتصريح بهما التنبيه على خلاف أبي حنيفة فإنه لم يوجبه في المثقل كالحجر والدبوس الثقيلين، ودليلنا عليه قوله تعالى: * (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا) * وهذا قتل مظلوما، وخبر الصحيحين: أن جارية وجدت وقد رض رأسها بين حجرين، فقيل لها: من فعل بك هذا أفلان أو فلان؟ حتى سمي يهودي، فأومأت برأسها، فأخذ اليهودي فاعترف، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برض رأسه بالحجارة فثبت القصاص في هذا بالنص وقيس عليه الباقي. وقد وافقنا أبو حنيفة على أن القتل بالعمود الحديد موجب للقود، وقد ثبت النص في القصاص بغيره في المثقل كما مر، فلا خصوصية للعمود الحديد، لأن القصاص شرع لصيانة النفوس فلو لم يجب بالمثقل لما حصلت الصيانة. فإن قيل: إن أراد بما يقتل غالبا الآلة ورد غرز الإبرة في مقتل أو في غيره مع الورم والألم إلى الموت فإنه عمد والآلة لا تقتل غالبا، وإن أراد الفعل ورد إذا قطع أنملة إنسان فسرت الجراحة إلى النفس فالقصاص واجب والفعل لا يقتل غالبا. أجيب بأن المراد الآلة، ولا يرد غرز الإبرة لأنه
(٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548