(الكف) ودفع الأذى من مسلم أو ذمي (عنهم) وفاء بالعهد. قال الله تعالى * (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا) * أما أهل الحرب فلا يلزمنا الكف عنهم ولا منع بعضهم عن بعض لأن مقصود الهدنة الكف لا الحفظ بخلاف الذمة نعم إن أخذ الحربيون ما لهم بغير حق وظفرنا به رددناه إليهم، وإن لم يلزمنا استنقاذه ويستمر ذلك (حتى تنقضي) مدتها (أو ينقضوها) أو ينقضها الإمام إذا علفت بمشيئته، وكذا غيره إذا علقت بمشيئته. قال تعالى: * (فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم) * وقال تعالى: * (فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم) *. ونقضهم لها يكون مع ما مر آنفا (بتصريح) منهم (أو قتالنا) حيث لا شبهة لهم، فإن كان لهم شبهة كأن أعابوا البغاة مكرهين فلا ينتقض كما بحثه الزركشي (أو مكاتبة أهل الحرب بعورة) أي خلل (لنا) وقوله (أو قتل مسلم) يفهم أنه لو قتل ذميا في دارنا أن الحكم يختلف وليس مرادا، ولا ينحصر الانتقاض فيما ذكره، بل تنتقض بأشياء أخر، منها لو سبوا الله تعالى أو القرآن أو رسوله (ص) وكل ما اختلف في انتقاض الذمة به تنتقض الهدنة جزما، لأن الهدنة ضعيفة غير متأكدة ببذل الجزية.
تنبيه: أفهم قوله: صحت أنها لو كانت فاسدة لا يجب الكف عنهم وليس مرادا، بل يجب إنذارهم وإعلامهم ولا يجوز اغتيالهم ولو رأى الإمام العقد الثاني فاسدا، فإن كان فساده بطريق الاجتهاد لم يفسخه، وإن كان بنص أو إجماع فسخه. (وإذا انتقضت) أي الهدنة وهو ببلادهم (جازت الإغارة عليهم وبياتهم) - بفتح الموحدة أوله - وهو الإغارة عليهم ليلا. قال الله تعالى * (بياتا وهم نائمون) * فهو من عطف الخاص على العام، سواء أعلموا أنه ناقض أم لا.
لقوله تعالى * (وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم) * الآية، ولأنهم صاروا حينئذ كما كانوا قبل الهدنة، أما إذا كانوا ببلادنا فلا نقاتلهم بل نبلغهم المأمن كما في الروضة وأصلها (ولو نقض بعضهم) الهدنة بشئ مما مر (ولم ينكر الباقون) عليهم (بقول ولا فعل) بأن سكتوا ولم يعتزلوهم (انتقض فيهم) أي الباقين (أيضا) لأن سكوتهم يشعر بالرضا فجعل نقضا منهم كما أن هدنة البعض وسكوت الباقين هدنة في حق الكل، وهذا بخلاف عقد الجزية فليس نقضه من بعضهم نقضا من الكل لقوته وضعف الهدنة (وإن أنكروا باعتزالهم) عنهم (أو إعلام الإمام) أي إعلام البعض المنكرين الإمام (ببقائهم على العهد، فلا) ينقض العهد في حقهم وإن كان الناقص رئيسهم، لقوله تعالى * (أنجينا الذين ينهون عن السوء) * فإن اقتصروا على الانكار من غير اعتزال أو إعلان الإمام بذلك فناقضون بخلاف عقد الذمة، وإنما أتى بمثالين لأن الأول إنكار فعلي، والثاني قولي والقول قول منكر النقض بيمينه (ولو خاف) الإمام (خيانتهم) بظهور أمارة تدل على الخوف لا بمجرد الوهم (فله نبذ عهدهم إليهم) لقوله تعالى * (وإما تخافن من قوم خيانة) * الآية.
تنبيه: أفهم كلام المصنف أنه إذا لم يخف الخيانة لا يجوز نبذ عهدهم، ومنه يعلم أن عقدها لازم. (و) ينذرهم بعد نبذ عهدهم، و (يبلغهم) وجوبا (المأمن) بعد استيفاء ما وجب عليهم من الحقوق وفاء بالعهد. وسبق تفسير المأمن في الباب قبله (ولا ينبذ عقد الذمة بتهمة) - بتحريك الهاء - أي بمجردها عند استشعار الإمام خيانتهم بخلاف الهدنة، وفرق بينهما بثلاثة أوجه: الأول: أن في عقد الذمة يغلب جانبهم، ولهذا تجب الإجابة إليه إذا طلبوا، وفي الهدنة يغلب جانبنا، ولهذا لا تجب الإجابة. الثاني أن أهل الذمة في قبضة الإمام، وإذا تحققت خيانتهم أمكنه تداركها بخلاف أهل الهدنة. الثالث أن عقد الذمة آكد لأنه مؤبد، ولأنه عقد معاوضة (ولا يجوز) في عقد الهدنة