مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ٢٦٢
(الكف) ودفع الأذى من مسلم أو ذمي (عنهم) وفاء بالعهد. قال الله تعالى * (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا) * أما أهل الحرب فلا يلزمنا الكف عنهم ولا منع بعضهم عن بعض لأن مقصود الهدنة الكف لا الحفظ بخلاف الذمة نعم إن أخذ الحربيون ما لهم بغير حق وظفرنا به رددناه إليهم، وإن لم يلزمنا استنقاذه ويستمر ذلك (حتى تنقضي) مدتها (أو ينقضوها) أو ينقضها الإمام إذا علفت بمشيئته، وكذا غيره إذا علقت بمشيئته. قال تعالى: * (فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم) * وقال تعالى: * (فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم) *. ونقضهم لها يكون مع ما مر آنفا (بتصريح) منهم (أو قتالنا) حيث لا شبهة لهم، فإن كان لهم شبهة كأن أعابوا البغاة مكرهين فلا ينتقض كما بحثه الزركشي (أو مكاتبة أهل الحرب بعورة) أي خلل (لنا) وقوله (أو قتل مسلم) يفهم أنه لو قتل ذميا في دارنا أن الحكم يختلف وليس مرادا، ولا ينحصر الانتقاض فيما ذكره، بل تنتقض بأشياء أخر، منها لو سبوا الله تعالى أو القرآن أو رسوله (ص) وكل ما اختلف في انتقاض الذمة به تنتقض الهدنة جزما، لأن الهدنة ضعيفة غير متأكدة ببذل الجزية.
تنبيه: أفهم قوله: صحت أنها لو كانت فاسدة لا يجب الكف عنهم وليس مرادا، بل يجب إنذارهم وإعلامهم ولا يجوز اغتيالهم ولو رأى الإمام العقد الثاني فاسدا، فإن كان فساده بطريق الاجتهاد لم يفسخه، وإن كان بنص أو إجماع فسخه. (وإذا انتقضت) أي الهدنة وهو ببلادهم (جازت الإغارة عليهم وبياتهم) - بفتح الموحدة أوله - وهو الإغارة عليهم ليلا. قال الله تعالى * (بياتا وهم نائمون) * فهو من عطف الخاص على العام، سواء أعلموا أنه ناقض أم لا.
لقوله تعالى * (وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم) * الآية، ولأنهم صاروا حينئذ كما كانوا قبل الهدنة، أما إذا كانوا ببلادنا فلا نقاتلهم بل نبلغهم المأمن كما في الروضة وأصلها (ولو نقض بعضهم) الهدنة بشئ مما مر (ولم ينكر الباقون) عليهم (بقول ولا فعل) بأن سكتوا ولم يعتزلوهم (انتقض فيهم) أي الباقين (أيضا) لأن سكوتهم يشعر بالرضا فجعل نقضا منهم كما أن هدنة البعض وسكوت الباقين هدنة في حق الكل، وهذا بخلاف عقد الجزية فليس نقضه من بعضهم نقضا من الكل لقوته وضعف الهدنة (وإن أنكروا باعتزالهم) عنهم (أو إعلام الإمام) أي إعلام البعض المنكرين الإمام (ببقائهم على العهد، فلا) ينقض العهد في حقهم وإن كان الناقص رئيسهم، لقوله تعالى * (أنجينا الذين ينهون عن السوء) * فإن اقتصروا على الانكار من غير اعتزال أو إعلان الإمام بذلك فناقضون بخلاف عقد الذمة، وإنما أتى بمثالين لأن الأول إنكار فعلي، والثاني قولي والقول قول منكر النقض بيمينه (ولو خاف) الإمام (خيانتهم) بظهور أمارة تدل على الخوف لا بمجرد الوهم (فله نبذ عهدهم إليهم) لقوله تعالى * (وإما تخافن من قوم خيانة) * الآية.
تنبيه: أفهم كلام المصنف أنه إذا لم يخف الخيانة لا يجوز نبذ عهدهم، ومنه يعلم أن عقدها لازم. (و) ينذرهم بعد نبذ عهدهم، و (يبلغهم) وجوبا (المأمن) بعد استيفاء ما وجب عليهم من الحقوق وفاء بالعهد. وسبق تفسير المأمن في الباب قبله (ولا ينبذ عقد الذمة بتهمة) - بتحريك الهاء - أي بمجردها عند استشعار الإمام خيانتهم بخلاف الهدنة، وفرق بينهما بثلاثة أوجه: الأول: أن في عقد الذمة يغلب جانبهم، ولهذا تجب الإجابة إليه إذا طلبوا، وفي الهدنة يغلب جانبنا، ولهذا لا تجب الإجابة. الثاني أن أهل الذمة في قبضة الإمام، وإذا تحققت خيانتهم أمكنه تداركها بخلاف أهل الهدنة. الثالث أن عقد الذمة آكد لأنه مؤبد، ولأنه عقد معاوضة (ولا يجوز) في عقد الهدنة
(٢٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 257 258 259 260 261 262 263 264 265 266 267 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548