مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ٥١٦
وما نقل عن الإمام الشافعي رضي الله عنه ليس على هذا الوجه، فإن القرآن بالهمز عند الشافعي يقع على القليل والكثير، والقرآن بغير همز عنده اسم جمع كما أفاده البغوي في تفسير سورة البقرة، ولغة الشافعي بغير همزة، والواقف على كلام الشافعي يظنه مهموزا، وإنما ينطق في ذلك بلغته المألوفة لا بغيرها، وبهذا اتضح الاشكال وأجيب عن السؤال.
كتاب الكتابة وهي بكسر الكاف على الأشهر، وقيل بفتحها كالعتاقة لغة الضم والجمع، لأن فيها ضم نجم إلى نجم، والنجم يطلق على الوقت الذي يحل فيه مال الكتابة كما سيأتي للعرف الجاري بكتابة ذلك في كتاب يوافقه. وشرعا: عقد عتق بلفظها بعوض منجم بنجمين فأكثر. ولفظها إسلامي لا يعرف في الجاهلية، وهي معدولة عن قواعد المعاملات من وجوه، الأول: أن السيد باع ماله بماله، لأن الرقبة والكسب له. ال: يثبت في ذمة العبد لمالكه مال ابتداء. الثالث:
يثبت الملك للعبد، فإن هذا العقد يقتضي تسليطه على الملك مع بقائه على الرق ولكن جوزها الشارع لمسيس الحاجة، فإن العتق مندوب إليه، والسيد قد لا يسمح به مجانا، والعبد لا مال له يفدي به نفسه، فإذا علق عتقه بالكتابة استفرغ الوسع وتنامي في تحصيل الاكتساب لإزالة الرق، فاحتمل الشرع فيها ما لا يحتمل في غيرها كما احتمل الجهالة في ربح القراض وعمل الجعالة للحاجة. والأصل فيها قبل الاجماع قوله تعالى: * (والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا) *، وقوله (ص): المكاتب عبد ما بقي عليه درهم. وكانت الكتابة من أعظم مكاسب الصحابة رضي الله تعالى عنهم، قيل: أول من كوتب عبد لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يقال له أبو أمية. (هي مستحبة) لا واجبة وإن طلبها الرقيق قياسا على التدبير وشراء القريب، ولئلا يتعطل الملك وتتحكم المماليك على المالكين. وإنما تستحب (إن طلبها رقيق) كله أو بعضه كما سيأتي، (أمين قوى على كسب) وبهما فسر الشافعي الخبر في الآية. واعتبرت الأمانة لئلا يضيع ما يحصله فلا يعتق، والقدرة على الكسب ليوثق بتحصيل النجوم.
ويفارق الايتاء حيث أجري على ظاهر الامر من الوجوب كما سيأتي، لأنه مواساة وأحوال الشرع لا تمنع وجوبها كالزكاة.
تنبيه: قوله: على كسب قد يوهم أنه أي كسب كان، وليس مرادا، بل لا بد أن يكون قادرا على كسب يوفي ما التزمه من النجوم. (قيل: أو) طلبها (غير قوي) إذا كان أمينا، لأنه إذا عرفت أمانته أعين بالصدقات ليعتق، والأول قال لا يوثق بذلك. (ولا تكره) الكتابة (بحال) وإن انتفى الوصفان، بل هي مباحة حينئذ لأنها قد تفضي إلى العتق. ويستثنى كما قال الأذرعي ما إذا كان الرقيق فاسقا بسرعة أو نحوها وعلم السيد أنه لو كاتبه مع العجز عن الكسب لاكتسب بطريق الفسق فإنها بها تكره، بل ينبغي تحريمها لتضمنها التمكين من الفساد، ولو امتنع الرقيق منها وقد طلبها سيده لم يجبر عليه كعكسه. وأركانها أربعة: صيغة ورقيق وسيد وعوض. وقد شرع في الأول منها فقال:
(وصيغتها) أي صيغة إيجابها الصريح من جانب السيد الناطق قوله لعبده: (كاتبتك) أو أنت مكاتب (على كذا) كألف (منجما) مع قوله: (إذا أديته فأنت حر) لأن لفظ الكتابة يصلح لهذا وللمخارجة فلا بد من تمييزها، فإذا قال: فإن أديته فأنت حر تعين للكتابة. أما الأخرس فتكفي إشارته المفهمة بذلك. (ويبين) وجوبا قدر العوض وصفته، و (عدد النجوم) وقدرها (وقسط كل نجم) والنقد إن لم يكن ثم نقد غالب، لأنها عقد معاوضة فاشترط فيه معرفة العوض كالبيع. ولا يشترط تساوي النجوم، ولا يشترط تعيين ابتداء النجوم بل يكفي الاطلاق
(٥١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 511 512 513 514 515 516 517 518 519 520 521 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548