مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ٤٥٧
لآدمي كحد زنا وحد قذف، (فلا) يستوفى تلك العقوبة لأنها تسقط بالشبهة والرجوع شبهة. (أو بعده) أي استيفاء المحكوم به، (لم ينقض) أي الحكم لتأكد الامر ولجواز صدقهم في الشهادة وكذبهم في الرجوع وعكسه، وليس أحدهما بأولى من الآخر فلا ينقض الحكم بأمر مختلف. (فإن كان المستوفى) عقوبة، كأن كان (قصاصا) في نفس أو طرف، (أو قتل ردة أو رجم زنا أو جلده) بلفظ المصدر المضاف لضمير الزنا، ولو حذفه كان أخصر وأعم ليشمل جلدة قذف وشرب. (ومات) المجلود أو قطع سرقة أو نحوها، ثم رجعوا (وقالوا تعمدنا) شهادة، أو قال كل منهم: تعمدت ولا أعلم حال صاحبي، مع قولهم: علمنا أنه يستوفى منه بقولنا، (فعليهم قصاص) غائلة إن جهل الولي تعمدهم، وإلا فالقصاص عليه فقط كما أفاده كلام المتن في الجنايات وسيأتي. (أو دية مغلظة) في مالهم موزعة على عدد رؤوسهم لتسببهم إلى إهلاكه.
ولو قال كل من الشاهدين: تعمدت وأخطأ صاحبي، فلا قصاص لانتفاء تمحض العمد العدوان في حق كل منهما بإقراره، بل يلزمهما دية مغلظة. أو قال أحدهما: تعمدت وصاحبي أخطأ. أو قال: تعمدت ولا أدري أتعمد صاحبي أم لا، وهو ميت أو غائب لا يمكن مراجعته. أو اقتصر على: تعمدت، وقال صاحبه: أخطأت، فلا قصاص لما مر. وإن قال: تعمدت وتعمد صاحبي، وهو غائب أو ميت اقتص منه. ولو اعترف أحدهما بعمدهما والآخر بعمده وخطأ صاحبه اقتص من الأول لاعترافه بتعمدهما جميعا دون الثاني، لأنه لم يعترف إلا بشركة مخطئ، ولا أثر لقولهم بعد رجوعهم لم نعلم أنه يقتل بقولنا، بل يحدون في شهادة الزنا حد القذف ثم يرجمون، ولا يضر فيه عدم معرفة محل الجناية ولا قدر الحجر وعدمه، قال القاضي: لأن ذلك تفاوت يسير. وقيل: يقتلون بالسيف ورجحه في المهمات إلا لقرب عهدهم بالاسلام ونشئهم ببادية بعيدة عن العلماء فيكون شبه عمد. وإن قالوا: أخطأنا في شهادتنا، فدية مخففة موزعة على عدد رؤوسهم إن كذبتهم العاقلة، لأن إقرارهم لا يلزم العاقلة ما لم يصدقهم، فإن صدقتهم فعليهم الدية، وكذا إن سكتت كما هو ظاهر كلام كثير خلافا لما يفهمه كلام الروض، فإن صدقتهم لزمه الدية.
فرع: لو ادعوا أن العاقلة تعرف خطأهم هل لهم تحليفهم أو لا؟ رأيان، أوجههما أن لهم ذلك كما رجحه الأسنوي ، لأنها لو أقرت غرمت خلافا لما جرى عليه ابن المقرى من عدم التحليف. (وعلى القاضي) الراجع دون الشهود (قصاص) أو دية مغلظة (إن قال تعمدت) الحكم بشهادة الزور، فإن قال: أخطأت، فدية مخففة عليه لا على عاقلته إن لم تصدقه.
(وإن رجع هو) أي القاضي (وهم) أي الشهود، (فعلى الجميع قصاص) أو دية مغلظة (إن قالوا تعمدنا) ذلك لاعترافهم بالتسبب في قتله عمدا عدوانا. (فإن قالوا أخطأنا فعليه) أي القاضي (نصف دية، وعليهم) أي الشهود (نصف) منها توزيعا على المباشرة والتسبب، قال الرافعي: كذا نقله البغوي وغيره، وقياسه أن لا يجب كمال الدية عند رجوعه وحده كما لو رجع بعض الشهود اه‍. ورد القياس بأن القاضي قد يستقل بالمباشرة فيما إذا قضى بعلمه بخلاف الشهود، وبأنه يقتضى أنه لا يجب كمال الدية عند رجوع الشهود وحدهم مع أنه ليس كذلك. (ولو رجع مزك) وحده عن تعديل الشهود ولو قبل شهادتهم، (فالأصح أنه يضمن) بالقصاص أو الدية، لأنه بالتزكية يلجئ القاضي إلى الحكم المفضي إلى القتل.
والثاني: المنع، لأنه كالممسك مع القاتل.
تنبيه: ظاهر كلامهم على الأول أنه لا فرق بين قوله: علمت كذبهم وقوله: علمت فسقهم، وبه صرح الإمام، وإن قال القفال: محله إذا قال علمت كذبهم، فإن قال: علمت فسقهم لم يلزمه شئ لأنهم قد يصدقون مع فسقهم. (أو) رجع (ولى) للدم (وحده) دون الشهود، (فعليه قصاص أو دية) بكمالها لأنه المباشر للقتل. (أو) رجع (مع الشهود
(٤٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 452 453 454 455 456 457 458 459 460 461 462 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548