مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ٤٣٩
لأنه لم يظهر التوبة عما كان مستورا عليه إلا عن صلاح، قاله الماوردي الروياني. ومنها ما لو عصى الولي بالعضل ثم تاب زوج في الحال ولا يحتاج إلى استبراء كما حكاه الرافعي عن البغوي. ومنها شاهد الزنا إذا وجب عليه الحد لعدم تمام العدد، فإنه لا يحتاج بعد التوبة إلى استبراء بل تقبل شهادته في الحال على المذهب في أصل الروضة. ومنها ناظر الوقف بشرط الواقف إذا فسق ثم تاب عادت ولايته من غير استبراء. ومنها الممتنع من القضاء إذا تعين عليه، وقد مر ما فيه في باب القضاء. ومنها قاذف غير المحصن، قال البلقيني: لا يحتاج إلى استبراء لمفهوم قول الشافعي في الام، فأما من قذف محصنة فلا تقبل شهادته حتى يختبر. ومنها الصبي إذا فعل ما يقتضي فسق البالغ ثم تاب وبلغ تائبا، قال البلقيني أيضا: لم يعتبر فيه الاختبار كما يظهر من كلام الشافعي والأصحاب. ومنها ما لو حصل خلل في الأصل ثم زال احتاج الفرع إلى تحمل الشهادة ثانيا، قال الزركشي: ولم يذكروا هذه المدة. ومنها المرتد إذا أسلم وكان عدلا قبل الردة كما قاله الماوردي واقتضاه كلام غيره. فإن قيل: هلا كان كالفاسق أجيب بأنه إذا أسلم فقد أتى بضد الكفر فلم يبق بعد ذلك احتمال، وليس كذلك إذا زنا ثم تاب، لأن التوبة ليست مضافة للمعصية بحيث تنفيها. وقيد الماوردي والروياني إسلام المرتد بما إذا أسلم مرسلا، فإن أسلم عند تقديم القتل اعتبر مضي المدة.
تنبيه: اقتصار المصنف ك الرافعي على الفسق يقتضي أنه إذا تاب عما يخرم المروءة لا يحتاج إلى استبراء، وليس مرادا، فقد صرح صاحب التنبيه بأنه يحتاج إلى الاستبراء. قال البلقيني: وله وجه، فإن خارم المروءة صار باعتياده سجية له، فلا بد من اختبار حاله. وذكر في المطلب أنه يحتاج إلى الاستبراء في التوبة من العداوة سواء أكانت قذفا أم لا كالغيبة والنميمة وشهادة الزور. (ويشترط في توبة معصية قولية القول) قياسا على التوبة من الردة بكلمتي الشهادة، (فيقول القاذف) مثلا في التوبة من القذف: (قذفي) فلانا (باطل) أو ما كنت محقا فيه ونحو ذلك، (وأنا نادم عليه، ولا أعود إليه) ليندفع عار القذف. ولا يكلف أن يقول كذبت، فقد يكون صادقا فكيف يؤمر بالكذب؟
فإن قيل: قول المصنف قذفي باطل صريح في إكذاب نفسه، وقد نقل عن الجمهور أنه لا يكذب نفسه، فكان الأولى إتيانه بعبارة المحرر والجمهور، وهي القذف باطل، أي قذف الناس باطل. أجيب بحمل كلامه على تجويز نيابة المضاف إليه عن الألف واللام، كقوله تعالى: * (قل الله أعبد مخلصا له ديني) * أي الدين. وقضية إطلاقه أنه لا فرق بين القذف على سبيل الايذاء أو على الشهادة إذا لم يتم عدد الشهود، وهو كذلك كما في الشرح والروضة. قال الرافعي: ويشبه أن يشترط في هذا الاكذاب جريانه بين يدي القاضي انتهى. وهو كما قال ابن شهبة ظاهر فيمن قذف بحضرة القاضي واتصل قذفه ببينة أو اعتراف، وغير ظاهر فيما إذا لم يتصل بالقاضي أصلا، بل في جواز إتيانه القاضي وإعلامه له بالقذف نظرا لما فيه من الايذاء وإشاعة الفاحشة. (وكذا شهادة الزور) يقول الشاهد فيها على وزان ما مر: شهادتي باطلة وأنا نادم عليها ولا أعود إليها، لأنه في معنى ما سبق. ولكن الذي في الروضة وأصلها عن المهذب أنه يقول: كذبت فيما قلت ولا أعود إلى مثله وأقراه. (قلت) ك الرافعي في الشرح: (و) المعصية (غير القولية) كالسرقة والزنا والشرب (يشترط) في التوبة منها (إقلاع) عنها (وندم) عليها (وعزم أن لا يعود) لها (ورد ظلامة آدمي) من مال وغيره، وقصاص وحد قذف (إن تعلقت به. والله أعلم) فيؤدي الزكاة لمستحقها، ويرد المغصوب إن بقي وبدله إن تلف لمستحقه أو يستحق منه أو من ورائه ويعلمه إن لم يعلم، فإن لم يوجد مستحق أو انقطع خبره سلمها إلى قاض أمين، فإن تعذر تصدق بها ويؤدي الغرم أو يتركها عنده. والمعسر ينوي العزم إذا قدر، فإن مات معسرا طولب في الآخرة إن عصي بالاستدانة، كأن استدان لإعانة على معصية وإلا فإن استدان
(٤٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 434 435 436 437 438 439 440 441 442 443 444 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548