مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ٣٦٣
القرب، وفي قول من طريق لا يجب ذلك حملا للنذر على جائز الشرع، والأول يحمله على واجبه، أما إذا لم يقل البيت الحرام في المسألتين ولا نواه أو نذر أن يأتي عرفات، ولم ينو الحج لم ينعقد نذره، لأن بيت الله تعالى يصدق ببيته الحرام وبسائر المساجد ولم يقيد بلفظ ولا نية، وعرفات من الحل فهي كبلد آخر، ولو نذر إتيان مكان من الحرم كالصفا أو المروة أو مسجد الخيف أو منى أو مزدلفة أو دار أبي جهل أو الخيزران لزمه إتيان الحرم بحج أو عمرة، لأن القربة إنما تتم في إتيانه بنسكه، والنذر محمول عن الواجب كما مر، وحرمة الحرم شاملة لجميع ما ذكر من الأمكنة ونحوها في تنفير الصيد وغيره، ولو قال في نذره: بلا حج ولا عمرة لزمه أيضا ويلغو النفي، وإن صحح البلقيني عدم الصحة معللا لها بأنه صرح بما ينافيه، ولو نذر المشي أو الاتيان لبيت المقدس أو المدينة الشريفة لم يلزمه ذلك ويلغو نذره، لأنه مسجد لا يجب قصده بالنسك فلم يجب إتيانه بالنذر كسائر المساجد، ويفارق لزوم الاعتكاف فيها بالنذر بأن الاعتكاف عبادة في نفسه، وهو مخصوص بالمسجد فإذا كان للمسجد فضيلة في العبادة الملتزمة فالاتيان بخلافه.
تنبيه: إنما جمع المصنف بين المشي والاتيان للتنبيه على خلاف أبي حنيفة، فإنه وافق في المشي وخالف في الاتيان، وقال: إنه غير مراد للقربة بخلاف المشي، وهو محجوج بقوله تعالى * (يأتوك رجالا وعلى كل ضامر) * فجعل الركوب صفة له كالمشي. (فإن نذر الاتيان) إلى بيت الله الحرام أو الذهاب أو نحو ذلك (لم يلزمه مشي) لأن ذلك لا يقتضي المشي، بل له الركوب قطعا (وإن نذر المشي) إلى بيت الله الحرام (أو أن يحج أو يعتمر ماشيا) وهو قادر على المشي (فالأظهر وجوب المشي) لأنه الملتزم جعله وصفا للعبادة فهو كما لو نذر أن يصوم متتابعا. أما العاجز فلا يلزمه مشي، ولو قدر عليه بمشقة شديدة لم يلزمه أيضا كما ذكره الزركشي. والثاني لا يلزم القادر أيضا، لأنه لم يجب في جنسه مشى بالشرع فلا يجب بالنذر.
تنبيه: أصل الخلاف مبني على أن الركوب في الحج أفضل أو المشي؟. وفيه أقوال: أظهرها عند المصنف أفضلية الركوب لأنه (ص) حج راكبا، ولان فيه زيادة مؤنة وإنفاق في سبيل الله تعالى. والثاني أفضلية المشي، وصححه الرافعي لزيادة المشقة، والاجر على قدر التعب، وأجيب عن حجه (ص) راكبا بأنه لو مشى في حجه لمشى جميع من معه، ولا شك أن فيهم من يشق عليه المشي معه إلا بجهد فأراد أن لا يشق على أمته. والثالث هما سواء لتعارض المعنيين، إذا عرفت هذا فما صححه المصنف من وجوب المشي واضح على تفضيله على الركوب. أما على ما رجحه، هو من أفضلية الركوب فلا يجب المشي، وهو ما اقتضى كلام الروضة في النوع الثاني من أنواع النذر ترجيحه فإنه قال:
كما يلزم أصل العبادة بالنذر يلزم الوفاء بالصفة المستحبة فيها إذا شرطت كمن شرط المشي في الحج الملتزم إذا قلنا المشي في الحج أفضل من الركوب اه‍. ونقله في المجموع في أوائل النذر بهذا اللفظ، وهو ناص على أنه لا يلزمه المشي المشروط إلا إذا جعلنا المشي أفضل من الركوب، لكنه قال في الكلام على المسألة هنا من الروضة بعد موافقته للرافعي على لزوم المشي: الصواب أن الركوب فضل وإن كان الأظهر لزوم المشي بالنذر لأنه مقصود والله أعلم اه‍. واعترض بأنه كيف يكون مقصودا مع كونه مفضولا، ولئن سلم كونه مقصودا فلا يمنع العدول إلى الاعلى كما في زكاة الفطر وكما لو نذر الصلاة قاعدا فصلى قائما قال ابن شهبة: قيل ويمكن أن يقال الركوب والمشي نوعان للعبادة فلم يقم أحدهما مقام الآخر وإن كان أحدهما أفضل كما لو نذر أن يتصدق بالفضة لا تبرأ ذمته بالتصدق بالذهب وإن كان أفضل كما نقل عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام اه‍. وهذا أحسن ما يجاب به عن المصنف. (فإن كان قال) في نذره (أحج ماشيا) أو أمشي حاجا وأطلق كما بحثه في المجموع (فمن) أي يلزمه المشي من (حيث يحرم) من الميقات أو قبله أو بعده، لأنه التزم المشي في الحج وابتداء الحج من وقت الاحرام، فإن صرح بالمشي من دويرة أهله لزمه (وإن قال) في نذره (أمشي إلى بيت الله تعالى) الحرام أو إلى الحرم ماشيا (فمن دويرة أهله) يمشي (في الأصح) لأن
(٣٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 358 359 360 361 362 363 364 365 366 367 368 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548