القتل إلى عمد وغيره، فقال: (الفعل) الصادر من شخص مباشرة أو سببا جرحا كان أو غيره، (المزهق) بكسر الهاء: أي القاتل للنفس، أقسامه (ثلاثة عمد وخطأ وشبه عمد) وجه الحصر في ذلك أن الجاني إن لم يقصد عين المجني عليه فهو الخطأ، وإن قصدها فإن كان بما يقتل غالبا فهو العمد، وإلا فشبه العمد. روى البيهقي عن محمد بن خزيمة أنه قال: حضرت مجلس المزني يوما فسأله رجل من العراق عن شبه العمد، فقال: إن الله وصف القتل في كتابه بصفتين عمد وخطأ فلم قلتم إنه ثلاثة أصناف؟
فاحتج عليه المزني بما روى أبو داود والنسائي وابن ماجة وابن حبان عن سفيان بن عيينة عن علي بن زيد بن جدعان عن القاسم بن ربيعة عن عبد الله بن عمر، أن النبي (ص) قال: ألا إن في قتيل عمد الخطأ قتيل السوط أو العصا مائة من الإبل مغلظة منها أربعون خلفة في بطونها أولادها. فقال المناظر: أتحتج علي بعلي بن زيد بن جدعان؟
فسكت المزني. فقلت للمناظر: قد رواه جماعة غيره منهم أيوب السختياني وخالد الحذاء. فقال للمزني: أنت تناظر أم هذا؟ فقال: إذا جاء الحديث فهو يناظر لأنه أعلم به مني ثم أتكلم.
تنبيه: إنما قيد الفعل بالازهاق مع أن الجرح والأطراف حكمها كذلك لأنه يذكرها بعد في قوله: ويشترط لقصاص الطرف والجرح ما شرط للنفس. فإن قيل: كان الأحسن التعبير بالافعال ليطابق المبتدأ الخبر. أجيب بأنه أراد بالفعل الجنس. وشبه بكسر الشين وإسكان الباء، ويجوز فتحهما، ويقال أيضا شبيه كمثل ومثل ومثيل.
فائدة: يمكن انقسام القتل إلى الأحكام الخمسة: واجب وحرام ومكروه ومندوب ومباح، فالأول قتل المرتد إذا لم يتب والحربي إذا لم يسلم أو يعط الجزية. والثاني: قتل المعصوم بغير حق. والثالث: قتل الغازي قريبه الكافر إذا لم يسب الله أو رسوله. والرابع: قتله إذا سب أحدهما. والخامس: قتل الإمام الأسير فإنه مخير فيه كما سيأتي. وأما قتل الخطأ فلا يوصف بحرام ولا حلال لأنه غير مكلف فيما أخطأ فهو كفعل المجنون والبهيمة. (ولا قصاص) في شئ من هذه الثلاثة، (إلا في العمد) لقوله تعالى: * (كتب عليكم القصاص في القتلى) * الآية، سواء مات في الحال أم بعده بسراية جراحة.
وأما عدم وجوبه في شبه العمد فللحديث المار، وأما في الخطأ فلقوله تعالى: * (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة) * فأوجب الدية ولم يتعرض للقصاص.
تنبيه: يشترط في العمد أن يكون ظلما من حيث كونه مزهقا للروح، بخلاف غير الظلم، وبخلاف الظلم لا من تلك الحيثية، كأن عدل عن الطريق المستحق في الاتلاف كأن استحق حز رقبته قودا فقده نصفين. والقصاص بكسر القاف المماثلة، وهو مأخوذ من القص وهو القطع، أو من اقتصاص الأثر وهو تتبعه، لأن المقتص يتبع جناية الجاني ليأخذ مثلها. (وهو) أي العمد في النفس، (قصد للفعل) العدوان (و) عين (الشخص بما يقتل) قطعا أو (غالبا).
وقوله: (جارح أو مثقل) جرى على الغالب، ولو أسقطهما كان أولى ليشمل ذلك القتل بالسحر وشهادة الزور ونحو ذلك، وهما مجروران على البدل من ما، ويجوز رفعهما على القطع، أو لعله قصد بالتصريح بهما التنبيه على خلاف أبي حنيفة فإنه لم يوجبه في المثقل كالحجر والدبوس الثقيلين، ودليلنا عليه قوله تعالى: * (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا) * وهذا قتل مظلوما، وخبر الصحيحين: أن جارية وجدت وقد رض رأسها بين حجرين، فقيل لها: من فعل بك هذا أفلان أو فلان؟ حتى سمي يهودي، فأومأت برأسها، فأخذ اليهودي فاعترف، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برض رأسه بالحجارة فثبت القصاص في هذا بالنص وقيس عليه الباقي. وقد وافقنا أبو حنيفة على أن القتل بالعمود الحديد موجب للقود، وقد ثبت النص في القصاص بغيره في المثقل كما مر، فلا خصوصية للعمود الحديد، لأن القصاص شرع لصيانة النفوس فلو لم يجب بالمثقل لما حصلت الصيانة. فإن قيل: إن أراد بما يقتل غالبا الآلة ورد غرز الإبرة في مقتل أو في غيره مع الورم والألم إلى الموت فإنه عمد والآلة لا تقتل غالبا، وإن أراد الفعل ورد إذا قطع أنملة إنسان فسرت الجراحة إلى النفس فالقصاص واجب والفعل لا يقتل غالبا. أجيب بأن المراد الآلة، ولا يرد غرز الإبرة لأنه