مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ١٨٩
لذلك وينبغي إن لم يجد غيرها أو لم يزل عقله إلا بها جوازه، ويقدم النبيذ على الخمر لأنه مختلف في حرمته، ومحله في شربها للعطش إذا لم ينته الامر به إلى الهلاك، فإن انتهى به إلى ذلك وجب عليه تناولها كتناول الميتة للمضطر كما نقله الإمام عن إجماع الأصحاب، وعلى القول بجواز التداوي بها وشربها لا حد، وكذا على التحريم كما نقله الشيخان في التداوي عن القاضي والغزالي واختاره المصنف في تصحيحه، وصححه الأذرعي وغيره، لشبهة قصد التداوي ومثله شربها للعطش، وما نقله الإمام عن الأئمة المعتبرين من وجوب الحد بذلك ضعفه الرافعي في الشرح الصغير وجزم صاحب الاستقصاء في كتاب البيع بجواز إسقائها للبهائم وإطفاء الحريق بها. (وحد الحر أربعون) جلدة لما في مسلم عن أنس رضي الله تعالى عنه: كان النبي (ص) يضرب في الخمر بالجريد والنعال أربعين (و) حد (رقيق) ولو مبعضا كما قاله الأذرعي (عشرون) لأنه حد يتبعض فتنصف على الرقيق كحد الزنا.
تنبيه: لو تعدد الشرب كفى ما ذكره المصنف، وحديث الامر بقتل الشارب في الرابعة منسوخ بالاجماع، ويروى أن أبا محجن الثقفي القائل:
إذا مت فادفني إلى أصل كرمة لتروي عظامي بعد موتي عروقها ولا تدفنني في الفلاة فإنني أخاف إذا ما مت أن لا أذوقها جلده عمر رضي الله عنه مرارا، والظاهر أنها أكثر من أربع ثم تاب وحسنت توبته، وذكر أنه قد نبت عليه ثلاث أصول كرم وقد طالت وانتشرت وهي معرشة على قبره بنواحي جرجان. والأصل في الجلد أن يكون (بسوط أو أيد أو نعال أو أطراف ثياب) لما روى الشيخان أنه (ص) كان يضرب بالجريد والنعال. وفي البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه: قال أتي النبي (ص) بسكران فأمر بضربه، فمنا من ضربه بيده، ومنا من ضربه بنعله، ومنا من ضربه بثوبه.
تنبيه: ليس المراد بطرف الثوب الضرب به على هيئته، وإنما المراد أنه يفتل حتى يشتد، ثم يضرب به كما صرح به المحاملي وغيره. (وقيل يتعين) للجلد (سوط) للسليم القوي كحد الزنا والقذف وهو كما قال ابن الصلاح المتخذ من جلود سيور تلوى وتلف، سمي بذلك لأنه يسوط اللحم بالدم أي يخلطه، أما نضو الخلق فلا يجوز جلده بسوط جزما كما قاله الزركشي (ولو رأى الإمام بلوغه) أي الحد للحر (ثمانين جاز في الأصح) المنصوص لما روي عن علي رضي الله تعالى عنه أنه قال جلد النبي (ص) أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، وعمر ثمانين وكل سنة، وهذا أحب إلي لأنه إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، وحد الافتراء ثمانون وروى البيهقي أن عمر رضي الله تعالى عنه أتى شيخ قد شرب الخمر في رمضان فضربه ثمانين ونفاه إلى الشام، وقال: في شهر رمضان وشيخا تتصابى. قال: وأتي علي رضي الله تعالى عنه بشيخ سكر في شهر رمضان فضربه ثمانين، ثم أخرجه من الغد وضربه عشرين، ثم قال: إنما ضربتك هذه العشرين لجراءتك على الله وإفطارك في شهر رمضان والثاني لا تجوز الزيادة لرجوع علي رضي الله تعالى عنه عن ذلك، وكان يجلد في خلافته أربعين.
تنبيه: يجري الخلاف في بلوغه في الرقيق أربعين. (والزيادة) عليها في الحر، وعلى العشرين في غيره (تعزيرات) لأنها لو كانت حدا لما جاز تركها (وقيل حد) لأن التعزير لا يكون إلا عن جناية محققة. واعترض الأول بأن وضع التعزير النقص عن الحد فكيف يساويه؟. وأجيب بأنه الجناية تولدت من الشارب، ولهذا استحسن تعبير المصنف بتعزيرات على تعبير المحرر بتعزير. قال الرافعي: وليس هذا الجواب شافيا فإن الجناية لم تتحقق حتى يعزر، والجنايات التي تتولد من الخمر لا تنحصر فلتجز الزيادة على الثمانين وقد منعوها. قال: وفي قصة تبليغ الصحابة الضرب ثمانين ألفاظ مشعرة بأن الكل حد، وعليه فحد الشرب مخصوص من بين سائر الحدود بأن يتحتم بعضه
(١٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 184 185 186 187 188 189 190 191 192 193 194 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548