لذلك وينبغي إن لم يجد غيرها أو لم يزل عقله إلا بها جوازه، ويقدم النبيذ على الخمر لأنه مختلف في حرمته، ومحله في شربها للعطش إذا لم ينته الامر به إلى الهلاك، فإن انتهى به إلى ذلك وجب عليه تناولها كتناول الميتة للمضطر كما نقله الإمام عن إجماع الأصحاب، وعلى القول بجواز التداوي بها وشربها لا حد، وكذا على التحريم كما نقله الشيخان في التداوي عن القاضي والغزالي واختاره المصنف في تصحيحه، وصححه الأذرعي وغيره، لشبهة قصد التداوي ومثله شربها للعطش، وما نقله الإمام عن الأئمة المعتبرين من وجوب الحد بذلك ضعفه الرافعي في الشرح الصغير وجزم صاحب الاستقصاء في كتاب البيع بجواز إسقائها للبهائم وإطفاء الحريق بها. (وحد الحر أربعون) جلدة لما في مسلم عن أنس رضي الله تعالى عنه: كان النبي (ص) يضرب في الخمر بالجريد والنعال أربعين (و) حد (رقيق) ولو مبعضا كما قاله الأذرعي (عشرون) لأنه حد يتبعض فتنصف على الرقيق كحد الزنا.
تنبيه: لو تعدد الشرب كفى ما ذكره المصنف، وحديث الامر بقتل الشارب في الرابعة منسوخ بالاجماع، ويروى أن أبا محجن الثقفي القائل:
إذا مت فادفني إلى أصل كرمة لتروي عظامي بعد موتي عروقها ولا تدفنني في الفلاة فإنني أخاف إذا ما مت أن لا أذوقها جلده عمر رضي الله عنه مرارا، والظاهر أنها أكثر من أربع ثم تاب وحسنت توبته، وذكر أنه قد نبت عليه ثلاث أصول كرم وقد طالت وانتشرت وهي معرشة على قبره بنواحي جرجان. والأصل في الجلد أن يكون (بسوط أو أيد أو نعال أو أطراف ثياب) لما روى الشيخان أنه (ص) كان يضرب بالجريد والنعال. وفي البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه: قال أتي النبي (ص) بسكران فأمر بضربه، فمنا من ضربه بيده، ومنا من ضربه بنعله، ومنا من ضربه بثوبه.
تنبيه: ليس المراد بطرف الثوب الضرب به على هيئته، وإنما المراد أنه يفتل حتى يشتد، ثم يضرب به كما صرح به المحاملي وغيره. (وقيل يتعين) للجلد (سوط) للسليم القوي كحد الزنا والقذف وهو كما قال ابن الصلاح المتخذ من جلود سيور تلوى وتلف، سمي بذلك لأنه يسوط اللحم بالدم أي يخلطه، أما نضو الخلق فلا يجوز جلده بسوط جزما كما قاله الزركشي (ولو رأى الإمام بلوغه) أي الحد للحر (ثمانين جاز في الأصح) المنصوص لما روي عن علي رضي الله تعالى عنه أنه قال جلد النبي (ص) أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، وعمر ثمانين وكل سنة، وهذا أحب إلي لأنه إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، وحد الافتراء ثمانون وروى البيهقي أن عمر رضي الله تعالى عنه أتى شيخ قد شرب الخمر في رمضان فضربه ثمانين ونفاه إلى الشام، وقال: في شهر رمضان وشيخا تتصابى. قال: وأتي علي رضي الله تعالى عنه بشيخ سكر في شهر رمضان فضربه ثمانين، ثم أخرجه من الغد وضربه عشرين، ثم قال: إنما ضربتك هذه العشرين لجراءتك على الله وإفطارك في شهر رمضان والثاني لا تجوز الزيادة لرجوع علي رضي الله تعالى عنه عن ذلك، وكان يجلد في خلافته أربعين.
تنبيه: يجري الخلاف في بلوغه في الرقيق أربعين. (والزيادة) عليها في الحر، وعلى العشرين في غيره (تعزيرات) لأنها لو كانت حدا لما جاز تركها (وقيل حد) لأن التعزير لا يكون إلا عن جناية محققة. واعترض الأول بأن وضع التعزير النقص عن الحد فكيف يساويه؟. وأجيب بأنه الجناية تولدت من الشارب، ولهذا استحسن تعبير المصنف بتعزيرات على تعبير المحرر بتعزير. قال الرافعي: وليس هذا الجواب شافيا فإن الجناية لم تتحقق حتى يعزر، والجنايات التي تتولد من الخمر لا تنحصر فلتجز الزيادة على الثمانين وقد منعوها. قال: وفي قصة تبليغ الصحابة الضرب ثمانين ألفاظ مشعرة بأن الكل حد، وعليه فحد الشرب مخصوص من بين سائر الحدود بأن يتحتم بعضه