مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ١٨٧
مستحل الخمر، قال: وكيف نكفر من خالف الاجماع، ونحن لا نكفر من يرد أصله، وإنما نبدعه. وأول كلام الأصحاب على ماذا صدق المجمعين على أن تحريم الخمر ثبت شرعا ثم حاله فإنه رد للشرع، حكاه عنه الرافعي. ثم قال: وهذا إن صح فليجر في سائر ما حصل الاجماع على افتراضه فنفاه، أو تحريمه فأثبته، وأجاب عنه الزنجاني بأن مستحل الخمر لا نكفره لأنه خالف الاجماع فقط، بل لأنه خالف ما ثبت ضرورة أنه من دين محمد (ص) والاجماع والنص عليه. وشمل قول المصنف (كل شراب أسكر كثيره حرم) هو و (قليله) جمع الأشربة من نقيع التمر والزبيب وغيرهما لما في الصحيحين عن عائشة رضي الله تعالى عنها: أنه (ص) قال كل شراب أسكر فهو حرام. وروى مسلم خبر كل مسكر خمر، وكل خمر حرام. وروى النسائي بإسناد صحيح عن سعد بن أبي وقاص، أنه (ص) قال: أنهاكم عن قليل ما أسكر كثيره، وصحح الترمذي: ما أسكر كثيره قليله حرام. وخالف أبو حنيفة في القدر الذي لا يسكر من نقيع التمر والزبيب وغيره، واستند لأحاديث معلومة بين الحفاظ، وأيضا أحاديث التحريم متأخرة فوجب العمل بها، وإنما حرم القليل (وحد شاربه) وإن كان لا يسكر حسما لمادة الفساد كما حرم تقبيل الأجنبية والخلوة بها لافضائه إلى الوطئ المحرم ولحديث رواه الحاكم: من شرب الخمر فاجلدوه وقيس به شرب النبيذ، ولو فرض شخص لا يسكره شرب الخمر حرم شربه للنجاسة لا للاسكار، ويحد أيضا كما قاله الدميري وغيره حسما للباب كمن شرب قدرا يؤثر فيه لا يسكر، ومن حد ثم شرب المسكر حال سكره في الشرب الأول حد ثانيا.
تنبيه: المراد بالشارب المتعاطي شربا كان أو غيره، سواء فيه المتفق على تحريمه والمختلف فيه، وسواء جامدة ومائعه مطبوخه ونيئه، وسواء أتناوله معتقدا تحريمه أو إباحته على المذهب لضعف أدلة الإباحة كما مر. وخرج بالشراب النبات، قال الدميري: كالحشيشة التي تأكلها الحرافيش، ونقل الشيخان في باب الأطعمة عن الروياني إن أكلها حرام ولا حد فيها. وقال الغزالي في القواعد: يجب على آكلها التعزير والزجر دون الحد، ولا تبطل بحملها الصلاة. وقال ابن تيمية: إن الحشيشة أول ما ظهرت في آخر المائة السادسة من الهجرة حين ظهرت دولة التتار، وهي من أعظم المنكر وشر من الخمر في بعض الوجوه لأنها تورث نشوة ولذة وطربا كالخمر ويصعب الفطام عنها أكثر من الخمر، وقد أخطأ القائل فيها:
حرموها من غير عقل ونقل وحرام تحريم غير الحرام وكل ما يزيل العقل من غير الأشربة من نحو بنج لا حد فيه كالحشيشة فإنه لا يلذ ولا يطرب ولا يدعو قليله إلى كثيره بل فيه التعزير، ولا ترد الخمرة المعقودة والحشيش المذاب نظرا لأصلها، وبالمسكر غيره، ولكن يكره من غير المسكر المنصف وهو ما يعمل من تمر ورطب، والخليط وهو ما يعمل من بسر ورطب، لأن الاسكار يسرع إلى ذلك بسبب الخلط قبل أن يتغير فيظن الشارب أنه ليس بمسكر ويكون مسكرا، ويشترط كون شاربه مكلفا ملتزما للأحكام مختارا عالما بأن ما شربه مسكر من غير ضرورة. ومحترز هذه القيود يؤخذ من قوله (إلا صبيا ومجنونا) لرفع القلم عنهما (وحربيا) لعدم التزامه (وذميا) لأنه لا يلتزم بالذمة ما لا يعتقده إلا الأحكام المتعلقة بالعباد (وموجرا) أي مصبوبا في حلقه قهرا (وكذا مكره على شربه) أي المسكر (على المذهب) لحديث: وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ويقابل المذهب طريقة حاكيه لوجهين.
تنبيه: ظاهر قوله إلا صبيا وما بعده أنه مستثنى من التحريم ووجوب الحد، لكن الأصحاب إنما ذكروه في الحد وعدمه. نعم تعرضوا للحل بالنسبة إلى الاكراه والصحيح الحل، وبه جزم الرافعي في الجراح، ونص الشافعي في البويطي على أن عليه أن يتقايأه، وقيل يجب، وقيل يسن، والأول أوجه. (ومن جهل كونها) أي الخمر (خمرا)
(١٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 182 183 184 185 186 187 188 189 190 191 192 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548