مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ١٤٠
كان الأولى أن يعبر كما في المحرر بقتل المرتد إن لم يتب رجلا كان أو امرأة، لأن خلاف أبي حنيفة في قتلها، لا في استتابتها، فإنه قال: تحبس وتضرب إلى أن تموت أو تسلم (وفي قول تستحب) استتابته (كالكافر) الأصلي. فإن قيل:
يدل لذلك أنه (ص) لم يستتب العرنيين. أجيب بأنهم حاربوا، والمرتد إذا حارب لا يستتاب (وهي) أي الاستتابة على القولين معا (في الحال) في الأظهر، فإن تاب وإلا قتل، لأن قتله المرتب عليها حد، فلا يؤخر كسائر الحدود، وقد مر أن السكران يسن تأخيره إلى الصحو، ولو سأل المرتد إزالة شبهة نوظر بعد إسلامه لا قبله، لأن الشبهة لا تنحصر، وهذا ما صححه الغزالي كما في نسخ الرافعي المعتمدة وهو الصواب، ووقع في أكثر نسخ الروضة تبعا لنسخ الرافعي السقيمة أن الأصح عند الغزالي المناظرة أولا، والمحكي عن النص عدمها، وإن شكا قبل المناظرة جوعا أطعم ثم نوظر (وفي قول) يمهل فيها على القولين (ثلاثة أيام) لاثر عن عمر رضي الله تعالى عنه في ذلك، وأخذ به الإمام مالك.
وقال الزهري: يدعى إلى الاسلام ثلاث مرات، فإن أبى قتل، وعن علي رضي الله تعالى عنه أنه يستتاب شهرين.
وقال النخعي والثوري: يستتاب أبدا، وعلى التأخير يحبس مدة الامهال ولا يخلى سبيله. (فإن) لم يتب الرجل والمرأة عن الردة: بل (أصرا) عليها (قتلا) لقوله (ص): من بدل دينه فاقتلوه رواه البخاري، ويقتله الإمام أو نائبه إن كان حرا لأنه قتل مستحق لله تعالى فكان للإمام ولمن أذن له كرجم الزاني، هذا إن لم يقاتل، فإن قاتل جاز قتله لكل من قدر عليه، ويجوز للسد فتل رقيقه المرتد على الأصح، ويقتل بضرب العنق دون الاحراق ونحوه للامر بإحسان القتلة، فإن خالف وقتله بغيره أو قتله غير الإمام أو نائبه بغير إذنه عزر الأول لعدوله عن المأمور به. والثاني لافتياته ولا شئ عليه من قصاص أو دية. نعم قتله مرتد قتل به كما مر في الجنايات. قال الماوردي:
ولا يدفن المرتد في مقابر المسلمين لخروجه بالردة عنهم، ولا في مقابر الكفار لما تقدم له من حرمة الاسلام اه‍. والذي يظهر أن حرمة الاسلام انقطعت بموته كافرا فلا مانع من دفنه في مقابر الكفار، قد مر أن الردة أفحش الكفر (وإن) كان كل من الرجل والمرأة ارتدا إلى دين لا تأويل لأهله كعبدة الأوثان ومنكري النبوات، ومن يقر بالتوحيد وينكر نبوة محمد (ص) ثم (أسلم صح) إسلامه إذا أتى بالشهادتين، قال ابن النقيب في مختصر الكفاية: وهما أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، وهذا يؤيد من أفتى من بعض المتأخرين بأنه لا بد أن يأتي بلفظ في أشهد الشهادتين، وإلا لا يصح إسلامه. وقال الزنكلوني في شرح التنبيه: وهما لا إله إلا الله محمد رسول الله، وظاهره أن لفظه أشهد لا تشترط في الشهادتين، وهو يؤيد من أفنى بعدم الاشتراط، وهي واقعة حال اختلف المفتون في الافتاء في عصرنا فيها، والذي يظهر لي أن ما قاله ابن النقيب محمول على الكمال، وما قاله الزنكلوني محمول على أقل ما يحصل به الاسلام، فقد قال (ص): أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله رواه البخاري ومسلم، ولا بد من ترتيب الشهادتين بأن يؤمن بالله ثم رسوله، فإن عكس لم يصح ما في المجموع في الكلام على ترتيب الوضوء، وقال الحليمي:
إن الموالاة بينهما لا تشترط، فلو تأخر الايمان بالرسالة عن الايمان بالله تعالى مدة طويلة صح، قال: وهذا بخلاف القبول في البيع والنكاح، لأن حق المدعو إلى دين الحق أن يدوم ولا يختص بوقت دون وقت فكأن العمر كله بمنزلة المجلس (و) إذا قال كل منهما ذلك (ترك) ولو كان زنديقا، أو تكرر ذلك منه، ولا يشترط مضي مدة الاستبراء لقوله تعالى * (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) *. نعم يعزر من تكرر ذلك منه لزيادة تهاونه بالدين فيعزر في المرة الثانية فما بعدها، ولا يعزر في المرة الأولى، وحكى ابن يونس الاجماع عليه. وقال أبو حنيفة: إنما يعزر في الثالثة ونقل عن أبي إسحق المروزي أنه يقتل في الرابعة. قال الإمام: وعد هذا من هفواته اه‍. ولا يصح هذا عن أبي إسحق، وإنما هو منسوب لإسحاق بن راهويه كما قاله القاضي حسين وغيره.
تنبيه: كان الأولى للمصنف أن يثني أسلم، وترك ليوافق ما قبله، ولكن يحصل بما قدرته (وقيل لا يقبل)
(١٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 135 136 137 138 139 140 141 142 143 144 145 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548