مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ١ - الصفحة ٩٢
فلا يعصي من حيث إتلاف ماء الطهارة وإن كان يعصي من حيث أنه إضاعة مال، ولا إعادة أيضا لما مر. ولو باعه أو وهبه في الوقت بلا حاجة له ولا للمشتري أو المتهب كعطش لم يصح بيعه ولا هبته لأنه عاجز عن تسليمه شرعا لتعينه للطهر، وبهذا فارق صحة هبة من لزمته كفارة أو ديون فوهب ما يملكه، وعليه أن يسترده فلا يصح تيممه ما قدر عليه لبقائه على ملكه، فإن عجز عن استرداده تيمم وصلى وقضى تلك الصلاة التي فوت الماء في وقتها لتقصيره دون ما سواها لأنه فوت الماء قبل دخول وقتها. ولا يقضي تلك الصلاة بتيمم في الوقت بل يؤخر القضاء إلى وجود الماء أو حالة يسقط الفرض فيها بالتيمم. ولو تلف الماء في يد المتهب أو المشتري ثم تيمم وصلى لا إعادة عليه لما سلف، ويضمن الماء المشتري دون المتهب، لأن فاسد كل عقد كصحيحه في الضمان وعدمه. ولو مر بماء في الوقت وبعد عنه بحيث لا يلزمه طلبه ثم تيمم وصلى، أجزأه ولا إعادة عليه لما تقدم. ولو عطشوا ولميت ماء شربوه ويمموه وضمنوه للوارث بقيمة لا بمثله، وإن كان مثليا إذا كانوا ببرية للماء فيها قيمة ثم رجعوا إلى وطنهم ولا قيمة له فيه وأراد الوارث تغريمهم إذ لو ردوا الماء لكان إسقاطا للضمان، فإن فرض الغرم بمكان الشرب أو مكان آخر للماء فيه قيمة ولو دون قيمته بمكان الشرب أو زمانه غرم مثله كسائر المثليات، ولو أوصى بصرف ماء لاولى الناس وجب تقديم العطشان المحترم حفظا لمهجته ثم الميت لأن ذلك خاتمة أمره، فإن مات اثنان ووجد الماء قبل موتهما قدم الأول لسبقه، فإن ماتا معا أو جهل السابق أو وجد الماء بعدهما قدم الأفضل لأفضليته بغلبة الظن بكونه أقرب إلى الرحمة لا بالحرية والنسب ونحو ذلك، فإن استويا أقرع بينهما.
ولا يشترط قبول الوارث له كالكفن المتطوع به ثم المتنجس، لأن طهره لا بدل له، ثم الحائض أو النفساء لعدم خلوهما عن النجس غالبا ولغلظ حدثهما، فإن اجتمعتا قدم أفضلهما، فإن استويا أقرع بينهما، ثم الجنب لأن حدثه أغلظ من حدث المحدث حدثا أصغر، نعم إن كفى المحدث دونه فالمحدث أولى لأنه يرتفع به حدثه بكماله دون الجنب. فإن قيل: هلا فرق في النجاسة بين المغلظة وغيرها فيقدم من عليه نجاسة مغلظة على غيرها كما تقدم الحائض على الجنب؟ أجيب بأن مانع النجاسة شئ واحد ومانع الحيض يزيد على مانع الجنابة. (الثاني) من أسباب التيمم: (أن يحتاج) بالبناء للمفعول، (إليه) أي الماء (لعطش) حيوان (محترم) من نفسه أو غيره، (ولو) كانت حاجته لذلك (مآلا) أي في المستقبل صونا للروح أو غيرها عن التلف، لأن ذلك لا بد له بخلاف طهارة الحدث والعطش المبيح للتيمم معتبر بالخوف المعتبر في السبب الآتي، فجيب عليه حينئذ أن يتيمم مع وجوده. ولو تزودوا للماء وساروا على العادة ولم يمت منهم أحد وجب القضاء كما في فتاوى البغوي، لا إن مات منهم من لو بقي لم يفضل من الماء شئ، ولا إن جدوا في السير على خلاف العادة بحيث لو مشوا على العادة لم يفضل منه شئ. ولا يكلف أن يستعمل الماء في الطهارة ثم يشرب المستعمل في ذلك لأن النفس تعافه، ولا أن يشرب المستعمل النجس من الماءين ويتطهر بالطاهر، بل لا يجوز له شرب النجس كما صححه في المجموع خلافا لبعض المتأخرين، بخلاف الدابة فإنه يكلف لها ذلك لأنها لا تعافه وخرج بالمحترم غيره كما مر. قال الولي العراقي في فتاويه:
قول الفقهاء إن حاجة العطش مقدمة على الوضوء ينبغي أن يكون مثالا ويلحق به حاجة البدن لغير الشرب كالاحتياج للماء لعجن دقيق ولت سويق وطبخ طعام بلحم وغيره اه‍. وهذا أولى من قول ابن المقري في روضه: ولا يدخره، أي الماء لطبخ وبل كعك وفتيت اه‍. ويجب أن يقدم شراء الماء لعطش بهيمته المحترمة على شرائه لطهره. وإن وجد من يبيعه الماء لعطش بقيمته لزمه شراؤه، فلو امتنع البائع من بيعه إلا بزيادة على القيمة فاشتراه العطشان كارها لزمه الزائد لأنه عقد صدر من أهله، وللعطشان أخذه من مالكه قهرا إن امتنع من بذله بيعا وغيره لا أخذه من مالك عطشان لأن المالك أحق ببقاء مهجته. قال في المجموع: وإذا عطش العاصي بسفره ومعه ماء لم يجز له التيمم حتى يتوب. (الثالث) من أسباب التيمم: (مرض يخاف معه من استعماله) أي الماء (على منفعة عضو) بضم العين وكسرها، أن تذهب كالعمى والخرس، أو تنقص، كضعف البصر، أو الشم، لعموم قوله تعالى: * (وإن كنتم مرضى) * الآية. قال ابن عباس: نزلت في المريض يتأذى بالوضوء وفي الرجل إذا كانت به جراحة في سبيل الله، أو القروح والجدري، فيجنب فيخاف إن
(٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 خطبة الكتاب 2
2 كتاب الطهارة 16
3 باب أسباب الحدث 31
4 فصل في آداب الخلاء وفي الاستنجاء 39
5 باب الوضوء 46
6 باب مسح الخف 63
7 باب الغسل 68
8 باب النجاسة 77
9 باب التيمم 86
10 فصل في بيان أركان التيمم وكيفيته وغير ذلك 96
11 باب الحيض وما يذكر معه من الاستحاضة الخ 108
12 فصل إذا رأت المرأة من الدماء الخ 113
13 كتاب الصلاة 120
14 فصل إنما تجب الصلاة على كل مسلم الخ 130
15 فصل الأذان والإقامة سنة 133
16 فصل استقبال القبلة شرط لصلاة القادر الخ 142
17 باب صفة الصلاة 148
18 باب شروط الصلاة 184
19 فصل تبطل الصلاة بالنطق بحرفين الخ 194
20 باب سجود السهو 204
21 باب تسن سجدات التلاوة 214
22 باب صلاة النفل 219
23 كتاب صلاة الجماعة 229
24 فصل في صفات الأئمة 237
25 فصل يذكر فيه بعض شروط الاقتداء وآدابه 245
26 فصل: شرط القدوة أن ينوي المأموم الخ 252
27 فصل تجب متابعة الامام في أفعال الصلاة الخ 255
28 فصل في قطع القدوة وما تنقطع به وما يتبعهما 259
29 باب كيفية صلاة المسافر 262
30 فصل في شروط القصر وما يذكر معه 266
31 فصل في الجمع بين الصلاتين 271
32 باب صلاة الجمعة 276
33 فصل في الأغسال المسنونة في الجمعة وغيرها وما يذكر معها 290
34 فصل في بيان ما تدرك به الجمعة وما لا تدرك به، وجواز الاستخلاف وعدمه 296
35 باب صلاة الخوف 301
36 فصل فيما يجوز لبسه للمحارب وغيره وما لا يجوز 306
37 باب صلاة العيدين 310
38 فصل في التكبير المرسل والمقيد 314
39 باب صلاة الكسوفين 316
40 باب صلاة الاستسقاء 321
41 باب في حكم تارك الصلاة المفروضة على الأعيان 327
42 كتاب الجنائز 329
43 فصل في تكفين الميت وحمله 336
44 فصل في الصلاة على الميت المسلم غير الشهيد 340
45 فصل في دفن الميت وما يتعلق به 351
46 مسائل منثورة 356
47 كتاب الزكاة باب زكاة الحيوان 368
48 فصل إن اتحد نوع الماشية 374
49 باب زكاة النبات 381
50 باب زكاة النقد 389
51 باب زكاة المعدن والركاز والتجارة 394
52 فصل شرط زكاة التجارة الحول والنصاب الخ 397
53 باب زكاة الفطر 401
54 باب من تلزمه الزكاة وما تجب فيه 408
55 فصل في أداء زكاة المال 413
56 فصل في تعجيل الزكاة وما يذكر معه 415
57 كتاب الصيام 420
58 فصل في أركان الصوم 423
59 فصل شرط الصوم الامساك عن الجماع الخ 427
60 فصل شرط الصوم الاسلام والعقل الخ 432
61 فصل في شروط وجوب صوم رمضان 436
62 فصل في فدية الصوم الواجب 438
63 فصل في موجب كفارة الصوم 442
64 باب صوم التطوع 445
65 كتاب الاعتكاف 449
66 فصل في حكم الاعتكاف المنذور 455
67 كتاب الحج 459
68 باب المواقيت 471
69 باب الإحرام 476
70 فصل في ركن الاحرام وما يطلب للمحرم الخ 478
71 باب دخول مكة 482
72 فصل فيما يطلب في الطواف من واجبات وسنن 485
73 فصل فيما يختم به الطواف وبيان كيفية السعي 493
74 فصل في الوقوف بعرفة وما يذكر معه 495
75 فصل في المبيت بمزدلفة والدفع منها وفيما يذكر معها 499
76 فصل في المبيت بمنى ليالي أيام التشريق 505
77 فصل في بيان أركان الحج والعمرة وكيفية أداء النسكين وما يتعلق بذلك 513
78 باب محرمات الإحرام 518
79 باب الإحصار والفوات 532