مسلم عن سفينة: أنه (ص) كان يغسله الصاع ويوضئه المد. أما من لم يعتدل جسده فيعتبر بالنسبة إلى جسده (ص) كما قاله العز بن عبد السلام زيادة ونقصا. (ولا حد له) أي لماء الوضوء والغسل، فلو نقص عن ذلك وأسبغ كفى. قال الشافعي: قد يرفق بالقليل فيكفي، ويخرق بالكثير فلا يكفي. وفي خبر أبي داود: أنه (ص) توضأ بإناء فيه قدر ثلثي مد. وظاهر عبارة المصنف عدم النقص عن المد والصاع لا الاقتصار عليهما. وعبر آخرون بأنه يندب المد والصاع، وقضيته أنه يندب الاقتصار عليهما. قال ابن الرفعة: ويدل له الخبر وكلام الأصحاب لأن الرفق محبوب، وهذا هو الظاهر، وإن نازع الأسنوي، ابن الرفعة فيما نسبه للأصحاب. ولا تنحصر السنن فيما قاله المصنف، بل يسن أن يستصحب النية إلى آخر الغسل، وأن لا يغتسل في الماء الراكد ولو كثر، أو بئر معينة كما في المجموع، بل يكره ذلك لخبر مسلم: لا يغتسل أحدكم في الماء الراكد وهو جنب فقيل لأبي هريرة الراوي للحديث: كيف يفعل؟
قال: يتناوله تناولا. قال في المجموع: قال في البيان: والوضوء فيه كالغسل، وهو محمول كما قال شيخنا على وضوء الجنب.
وإنما كره ذلك لاختلاف العلماء في طهورية ذلك الماء، أو لشبهه بالماء المضاف إلى شئ لازم كماء الورد، فيقال ماء عرق أو وسخ. وينبغي أن يكون ذلك في غير المستبحر، وأن يكون اغتساله بعد بول لئلا يخرج بعده مني، وأن يأتي بالتشهد المذكور في الوضوء عقبه. وحكم الموالاة هنا كحكمها في الوضوء، وأن يرتبه فيبدأ بعد الوضوء بأعضائه كما في الروضة وغيرها لشرفها، ثم بالرأس، ثم بالبدن مبتدئا بأعلى ذلك بأن يفيض الماء على كل منهما مبتدئا بالأيمن من كل منهما بالأعلى كما علم مما مر.
فائدة: قال في الاحياء: لا ينبغي أن يقلم أو يحلق أو يستحد أو يخرج دما أو يبين من نفسه جزءا وهو جنب، إذ يرد إليه سائر أجزائه في الآخرة فيعود جنبا، ويقال: إن كل شعرة تطالب بجنابتها.
فرع: يجوز أن ينكشف للغسل في خلوة أو بحضرة من يجوز له نظره إلى عورته، والستر أفضل لقوله (ص) لبهز بن حكيم: احفظ عورتك إلا من زوجك أو ما ملكت يمينك. قال: أرأيت إن كان أحدنا خاليا؟ قال: الله أحق أن يستحيي منه الناس. فإن قيل: الله سبحانه وتعالى لا يحجب عنه شئ فما فائدة الستر له؟ أجيب بأن يرى متأدبا بين يدي خالقه ورازقه. (ومن به) أي ببدنه شئ (نجس يغسله ثم يغتسل) لأنه أبلغ في التطهير. والنجس بفتح الجيم: النجاسة. (ولا تكفي لهما غسلة) واحدة، (وكذا في الوضوء) لأنهما واجبان مختلفا الجنس فلا يتداخلان، وعلى هذا تقديم إزالته شرط لا ركن. (قلت: الأصح تكفيه والله أعلم) كما لو اغتسل من جنابة وحيض، ولان واجبهما غسل العضو وقد حصل، ومحل الخلاف إذا كان النجس حكميا كما في المجموع ويرفعهما الماء معا، وللسابعة في المغلظة حكم هذه الغسلة، فإن كان النجس عينا ولم تزل بقي الحدث، أما غير السابعة في النجاسة المغلظة فلا يرتفع حدث ذلك المحل لبقاء نجاسته.
فإن قيل: قد جزم في الروضة والمنهاج تبعا للرافعي في غسل الميت بأن أقل الغسل استيعاب بدنه بالماء بعد إزالة النجاسة مع أن الاكتفاء بالغسلة في الميت أولى، لأن النية لا تجب في غسله. أجاب الشارح في كتاب الجنائز بأنه مبني على ما صححه الرافعي في الحي، وترك الاستدراك عليه للعلم به مما قدمه. وأجاب غيره بأن ما ذكراه في الجنائز ليس بصريح في اشتراط تقدم إزالة النجاسة، لأن كلمة بعد لا تدل على الترتيب، فهي بمعنى مع كما في قوله تعالى: * (عتل بعد ذلك زنيم) *، أي: مع ذلك زنيم، أي دعي في قريش. فيكون التقدير استيعاب بدنه مع إزالة النجاسة، ونظير ذلك ما قاله المصنف في باب الوقف في قوله: وقفت على أولادي وأولاد أولادي بطنا بعد بطن أنه يقتضي التسوية بين الكل، وهذا الجواب أظهر. وقيل: يفرق بين غسل الحي والميت بأن هذا آخر أحواله فاحتيط له فيراعى في حقه الأكمل كما يجب تكفينه في ثلاثة أثواب لأنها حقه، حتى لو اتفق الورثة على ثوب واحد لم يجابوا إلى ذلك كما صححه في الروضة، مع أن المصنف جزم بما جزم به الرافعي في صفة غسل الجنابة من شرح المهذب. (ومن اغتسل لجنابة) أو نحوها كحيض